301
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۳.عدّةٌ من أصحابنا ، عن أحمدَ بن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عمّن ذكره ، عن عبداللّه بن القاسم الجعفريّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«إنَّ العالمَ إذا لم يَعمَلْ بعلمه زَلَّتْ موعظتُه عن القلوب كما يَزِلُّ المطرُ عن الصفا» .

قوله عليه السلام في حديث عبداللّه بن القاسم : (إنّ العالِمَ إذا لم يَعمَلْ بعلمه زَلَّتْ موعظتُه عن القلوب كما يَزِلُّ المطرُ عن الصفا) .
«الصفا» بالقصر جمع صفاة ، وهي الصخرة الملساء ، شبّه عليه السلام عدم تأثير موعظته لغيره وعدم ثبوتها في قلب من يعظه بالمطر الواقع على الصخر الأملس في عدم ثبوته عليه وعدم ترتّب فائدة منه ينتفع بها ، وذلك بخلاف ما إذا وقع المطر على التراب ، فإنّه يترتّب عليه فائدة نحو النبات والزرع ، وبخلاف وقوعه على الصخر غير الأملس ، فإنّه ربما حصلت منه فائدة مّا باجتماعه في وهدة فيها ۱ يشرب ذلك الماء ، ونبات ما إذا خالطه بعض التراب ؛ ففيه فائدة في الجملة . وهذا كلّه منتف في الصخر الأملس كانتفاء فائدة موعظة غير العامل بعلمه ، فإنّ من عُلم منه عدم العمل ، كان أوّل ما يخطر ببال السامع أنّ هذا لو كان صادقاً لعمل بما يقول ، وكيف يعتمد على قول من يقول ولا يفعل ، بخلاف العامل ، فإنّ عمله بعلمه مصدّق لقوله ، وذلك باعثٌ على الاعتماد على ما يقول والاقتداء به . وما أحسن ما قيل :
يا أيّها الرجل المعلم غيرههلاّ لنفسك كان ذا التعليم
إبدَأ بنفسك فَانْهَها عن غيّهافإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لاتَنْه عن خلق وتأتي مثلهعارٌ عليك إذا فعلت عظيم۲

1.في «ج ، د» : «فيه» .

2.نسبة القرطبي في تفسيره ج ۱ ، ص ۳۶۷ إلى أبي الأسود الدؤلي ، وذكر بعضه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، ج ۳۴ ، ص ۱۵۹ ونسبه إلى ابن السماك ، ونقل بعضه الشعراني في العهود المحمديّة ، ص ۴۰۲ ،، وأيضا ذكره ورام بن أبي فراس في مجموعة ورّام ، ج ۲ ، ص ۳۰۱ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
300

۰.وطولُ الأمل يُنسي الآخرةَ» .

۲.محمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيلَ بن جابر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«العلمُ مَقرونٌ إلى العمل ، فمَن عَلِمَ عَمِلَ ، ومن عَمِلَ عَلِمَ ، والعلمُ يَهتِفُ بالعمل ، فإن أجابَه ، وإلاّ ارتحَل عنه» .

وقوله عليه السلام : «وطول الأمل» بدون «أمّا» إن لم يكن من المواضع التي جوّز النحاة تركها واستدلّوا عليه بآيات قرآنيّة ونحوها ، فكلامه عليه السلام حجّة عليهم مع ثبوته .
وكون اتّباع الهوى صادّاً ـ أي مانعا ـ من قبول الحقّ والعمل به ظاهرٌ ، فإنّ النفس أمّارة بالسوء والشيطان مساعدٌ لها ، وكذا طول الأمل ، فإنّه معه يؤخّر الإنسان أعمال الآخرة ويسوّفها أو يذهل عنها ؛ لعدم توجّهه إليها وتذكّره إيّاها ، وذلك باعث على نسيانها ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام في حديث إسماعيل بن جابر : (العلمُ مَقرونٌ إلى العمل ، فمن عَلِمَ عَمِلَ ، ومن عَمِلَ عَلِمَ ، والعلمُ يَهتِفُ بالعمل ، فإن أجابَه ، وإلاّ ارتحلَ عنه) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ أنّ العلم الذي ينبغي أن يسمّى علماً ما كان منضمّاً إلى العمل ؛ ولهذا عدّي ب «إلى» فلا يسمّى صاحبه عالماً إلاّ إذا عمل . ومثله العمل ، فلا يسمّى العامل عاملاً إلاّ إذا كان عمله عن علم ، وإذا حصل العلم صاحَ بالعمل وناداه وطلبه ليكون معه ، فإن أجابه إلى ذلك فهو المراد ، وبه يستقرّ العلم ويثبت وتحصل ثمرته ، وإن لم يجبه ولم يقبل أن يكون معه ، فارقَه وبقي كلّ واحد وحده ، وبقاء كلّ واحد وحده لا يسمّى من كان محلاًّ له عالماً ولا عاملاً ؛ هذا الذي يقتضيه السياق . ويحتمل بعيداً رجوع ضمير «عنه» إلى «العالم» المفهوم من المقام ، أو إلى «من علم» والمعنى حينئذٍ أنّ علم العالم يطلب العمل ليكون معه ، فإن أجابه إلى ذلك ، وإلاّ فارَقَ ذلك العلم العالم بحيث لا يسمّى عالماً ؛ واللّه أعلم .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 114635
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي