303
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۵.محمّد بن يحيى، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سِنان، عن المفضّل بن عمرَ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال:قلتُ له: بِمَ يُعرَفُ الناجي؟ قال: «مَن كان فعلُه لقوله موافقا فأثْبِتْ له الشهادةَ ، ومَن لم يَكُنْ فعلُه لقوله موافِقا فإنّما ذلك مُستودَعٌ» .

قوله عليه السلام في حديث المفضّل بعد قوله له : بِمَ يُعرَفُ الناجي؟ : (من كان فعلُه لقولِه موافقاً فإنّما ثابتٌ له۱الشهادة۲، ومن لم يَكُنْ فعلُه لقولِه موافقاً فإنّما ذلك مُستودَعٌ) .
هذا الحديث مذكور في كتاب الإيمان والكفر من هذا الكتاب بهذا الطريق عن المفضّل الجعفي مع زيادة في المتن ، والظاهر أنّه ابن عمر ، وإن شاركه غيره فيه . ومتن الحديث :
قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّ الحسرةَ والندامةَ والويلَ كلَّه لمن لم يَنتَفِعْ بما أبصَرَه ، ولم يَدْرِ ما الأمرُ الذي هو عليه مقيمٌ ، أنفعٌ له أم ضَرٌّ» . قلت : فبِمَ يُعرَفُ الناجي من هؤلاء جُعلتُ فداك؟ قال : «من كان فعلُه لقولِه موافقاً فاُثْبِتَ له الشهادةُ بالنجاة ، ومن لم يكن فعلُه لقولِه موافقاً فإنّما ذلك مُستودَعٌ» ۳ انتهى .
وترجمة الباب باب في علامة المعار . وفي بعض النسخ : باب فيمن تثبت عليه الشهادة بالإيمان والنفاق .
وبين الحديثين كماترى اختلاف بالزيادة والنقصان ، وفي بعض الألفاظ ما لا يخفى .
وحاصل المعنى مع ملاحظتهما معاً : أنّ من وافق فعلُه قولَه فهو ممّن تثبت له الشهادة بأنّه مؤمن وأنّه ناج ، فيكون مستعملاً لعلمه وعاملاً به ، فيدخل من هذه الجهة في باب استعمال العلم . ومن لم يكن كذلك فإنّما إيمانه الذي هو عليه بحسب الظاهر مستعارٌ غير ثابت ومستقرّ له ، وبالتقريب السابق يدخل أيضاً في باب استعمال العلم .
وسياق استعمال العلم يقتضي أن يكون المراد بالقول العلم وبالفعل العمل ، ويحتمل إرادة ما يعمّ غيرهما إن فرض من القول والفعل مالا يدخل تحتهما ، لكنّ الظاهر أنّ كلّ ما يفرض داخل تحتهما ممّا يعدّ قولاً وفعلاً . ومع قطع النظر عن ملاحظة الحديث الثاني يحتمل أن يكون المراد في هذا الحديث بالشهادة أنّ من كان كذلك يثبت ۴ له الإقرار بالشهادة وأنّه مؤمن ، أو مؤمن ثابت ، أو كامل ؛ فتحصل له ثمرة الشهادة ، ومن لم يكن كذلك فإنّما إيمانه الذي حصّله بالشهادة مستعارٌ عنده ، مستودعٌ غير مستقرّ .
وفيه دلالة على كون العمل جزءاً من الإيمان ، إن لم يكن المراد الكمال ونحوه .
وقد يشعر لفظ «مستودع» بعدم الكمال .
وفي الحصر ب «إنّما» في الموضعين تأكيدٌ لثبوتها له في الأوّل ، وانتفائها عنه في الثاني . ولا يخفى ما في الحصر وإرادة الإضافي تقربه .
والكلام على مثل ألفاظ هذا الحديث ونحوها من حيث إنّها ربما تكون محرّفة من النُّساخ أو من الناقل بالمعنى ، وإلاّ فلو ثبت كونها صادرة عن المعصوم فأيّ عاقل يجترىٌ على الكلام فيها؟ وأيّ عقل يدرك حقيقة ما يقوله؟ فالخطأ حينئذٍ من سوء الفهم .
وفي لام «له» دلالة على الاستحقاق والثبات .
بقي احتمال لا يخلو من بُعد ، وهو أن يكون المعنى أنّ من كان كذلك ، كان ممّن تقبل شهادته ؛ لأنّه ثابت الإيمان عاملٌ بعلمه ، ومن لم يكن كذلك فإيمانه مستودع ، وكذا علمه ، فلا تقبل شهادته ، وليس له أن يشهد .
وهذا الاحتمال بالنظر إلى مجرّد متن الحديث ، وهو كماترى ؛ واللّه أعلم .

1.في كثير من نسخ الكافي والمطبوع : «فأثبت له» ؛ وفي بعضها : «فإنّها له» ؛ وفي بعضها : «فأبثّ له» وهو مختار العلاّمة المجلسي في مرآة العقول، قال فيه : «قوله عليه السلام : فأبث له الشهادة. في بعض النسخ هكذا بالباء الموحدّة والثاء المثلثة ، من البثّ بمعنى النشر . ويمكن أن يقرأ بصيغة المضارع المعلوم وبصيغة الأمر وبصيغة الماضي المعلوم . وفي بعضها بالموحّدة أوّلاً ثم المثنّاه ، من البتّ بمعنى القطع ، وفي بعضها «فأثبت» بالمثلثة ثم الموحّدة ثم المثنّاة، من الاثبات، ويحتمل الوجوه الثلاثة أيضا كسابقة. وفي بعضها : «فإنّما بثّ له الشهادة». وسيأتي هذا الحديث في باب المستودع والمعار، وفيه : «فأتت له الشهادة بالنجاة» وهو أظهر» . مرآة العقول، ج۱، ص۱۴۴.

2.في الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۱۹ ، باب علاّمة المعار ، ج ۴ ؛ والمحاسن ، ص ۲۵۲ ، باب الأخلاص من كتاب مصابيح الظلم ، ح ۲۷۴ + : «بالنجاة» . وفي الأمالي ، ص ۳۵۸ ، المجلس ۵۷ ، ح ۷ : «فهو ناج» بدل «فأثبت له الشهادة» .

3.الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۱۹ ، باب علامة المعار ، ح ۴ .

4.في «ج» : «ثبت» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
302

۴.عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقريّ ، عن عليّ بن هاشم بن البَريد ، عن أبيه ، قال :جاء رجلٌ إلى عليّ بن الحسين عليه السلام فسَأَلَه عن مسائلَ فأجابَ ، ثمَّ عادَ ليَسْأَلَ عن مثلها ، فقالَ عليُّ بن الحسين عليه السلام : «مكتوبٌ في الإنجيل :ص 45
لا تَطلُبوا علمَ ما لا تعلمون ولمّا تَعْمَلوا بما عَلِمتم ، فإنَّ العلمَ إذا لم يُعملْ به لم يَزدَدْ صاحبُه إلاّ كفرا ، ولم يَزدَدْ من اللّه إلاّ بُعدا» .

قوله عليه السلام في حديث عليّ بن هاشم بن البَريد بعد سؤال السائل إيّاه عن مسائل وجوابه له ، ثمّ عوده ليسأل عن مثلها : (مكتوبٌ في الإنجيل : لا تَطلُبوا علمَ ما لا تَعلمونَ ، ولمّا تَعملوا بما عَلِمْتم ، فإنّ العلمَ إذا لم يُعْمَلْ به لم يَزدَدْ صاحبُه إلاّ كفراً ، ولم يَزدَدْ من اللّه إلاّ بُعداً) .
في هذا الحديث فوائد :
الاُولى : النهي عن طلب العلم إذا لم يعمل الطالب بما كان قد علمه ، وعلَّلَه عليه السلام بأنّ العلم إذا لم يعمل به لم يَزْدَدْ صاحبه مع كفره الحاصل من ترك العمل بما علمه إلاّ كفراً آخر من التعلّم الآخر وعدم العمل به ، ولم يزدد مع البُعد من رضوان اللّه الحاصل من ترك العمل بما علمه إلاّ بُعداً ، أو لم يزدد مطلق العالم غير العامل إلاّ كفراً وبُعداً ، أو لم يزدد مع كفره وبُعده الحاصلين من الجهل إلاّ كفراً وبُعداً . وكون السائل أتاه عليه السلام ليسأله بعد سؤاله الأوّل يؤيّد الأوّل .
ومعنى «لمّا» حينئذٍ أنّه مالم يكن عمله بما يعلمه ۱ كائناً ومستمرّاً ، وأنّه إن ترك العمل في الماضي ينبغيأن يقلع عنه ويعمل به فيما يستقبل ثمّ يتعلّم غيره . وظاهر «لمّا» قد يؤيّد الثاني .
والمعنى : لا تطلبوا العلم من غير عمل . ولا ينافيه زيادة البعد والكفر ، والسياق على الأوّل ، ووجه الثالث يظهر ممّا تقرّر فتأمّل .
والظاهر أنّ المراد من الكفر البعد عن تحصيل كمال الإيمان ومزاياه إن لم يصل بترك العمل إلى مرتبة الكفر الحقيقي . وهذا على تقدير كون العمل ليس جزءاً من الإيمان .
الثانية : فيه دلالة على أنّ العالم غير العامل أسوأ حالاً من الجاهل ، وأنّه كلّما ازداد علماً بغير عمل ازداد كفراً وبُعداً على قدر علمه .
الثالثة : فيه تقريعٌ للجاهل وتنبيهٌ له على أنّه كافر بالمعنى السابق إن لم يصل إلى المرتبة الثانية ، وعلى أنّه بعيد من اللّه ، وإنّ من كان كذلك يجب عليه التخلّص من ظلمة الجهل إلى نور العلم بشرطه ، وأنّه لا يكون ساعياً في تحصيل ما قد يسمّى علماً وليس بعلم ؛ واللّه أعلم .

1.في «ج ، د» : «تعلمه» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 114629
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي