313
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.إلاّ أن يَتوبَ أو يُراجِعَ ، ومن أخَذَ العلمَ من أهله وعَمِلَ بعلمه نجا ، ومن أرادَ به الدنيا فهي حَظُّهُ» .

وقوله عليه السلام : «إلاّ أن يتوب أو يراجع» يحتمل أن يكون المراد به : إلاّ أن يتوب فيما لا يمكن فيه المراجعة ، كما يفوت من حقوق اللّه تعالى التي لا يقدر على أدائها ، ومالا يقدر عليه من حقوق العباد إمّا بانقراض أهلها ، أو بعدم إمكان الخلاص منهم ولو بصلح أو إبراء ونحوه .
وهذا في حقّ اللّه تعالى ظاهر ، فإنّه أكرم الأكرمين ، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات . وأمّا حقوق الناس ، فلا يبعد أنّ اللّه سبحانه يعوّض عنها أهلها إذا وصل الإنسان إلى مرتبة لا يمكنه الخلاص ، وأخلص التوبة والندم ؛ واللّه تعالى أعلم .
أو يراجع فيما يمكن فيه المراجعة ، فيوصل إلى ذوي الحقوق حقوقهم ولو بإبراء أو هبة أو صلح ، وما كان من حقوقه تعالى له وجه يصرف فيه ، فكذلك .
فالإتيان بـ «أو» لفائدة أنّ الأوّل يكفي فيه التوبة ، وهي الندم على ما فرّط منه ، والثاني تكون توبته بالمراجعة ، مع أنّهما قد لا يجتمعان ، واجتماعهما لاينافي الإتيان بـ «أو» بعد معرفة ما يترتّب على كلّ قسم . وليست القضيّه مانعة للجمع .
والواو لا تفيد ما ذكر من الفوائد ؛ على أنّ «أو» قد تفيد الجمع المطلق كالواو ؛ قاله الكوفيّون والأخفش والجرمي ۱ ، واستدلّوا عليه بأدلّة كثيرة ، كقول جرير :
جاء الخلافة أو كانت له قدراً ۲ وقول توبة :
لنفسي تُقاها أو عليها فجورها ۳
وقول النابغة :
إلى حمامتنا أو نصفه فقد ۴
وغير ذلك .
وحينئذٍ يمكن حمل المراجعة على نحو ما تقدّم ، وعلى التأكيد .
بقي احتمال آخر ، وهو تعلّق التوبة بما هو حقّ اللّه والمراجعة بما هو حقّ الناس ، فتأمّله ؛ واللّه أعلم .
وهذا المقام محتمل لتفصيل وكلام أكثر من هذا لا يخفى على المتدبّر .

1.انظر : مغني اللبيب ، ج ۱ ، ص ۶۲ ؛ شرح ابن عقيل ، ج ۲ ، ص ۲۳۳ .

2.الأمالي ، للسيّد المرتضى ، ج ۳ ، ص ۱۴۶ ؛ التبيان ، ج ۱ ، ص ۹۲ ؛ مجمع البيان ، ج ۱ ، ص ۲۶۷ ؛ جامع البيان ، للطبري ، ج ۱ ، ص ۲۱۶ ؛ زاد المسير ، لابن جوزي ، ج ۱ ، ص ۳۳ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۱ ، ص ۲۱۵ . وتمام البيت هكذا : نال الخلافة أو كانت له قدراكما أتى ربّه موسى على قدر

3.نفس المصادر . وهو قول توبة بن الحمير . وتمام البيت هكذا : قد زعمت ليلى بأنّي فاجرلنفسي تقاها أو عليها فجورها

4.التبيان ، ج ۱ ، ص ۱۱۳ ؛ جامع البيان ، ج ۱ ، ص ۵۱۴ ؛ زاد المسير ، ج ۱ ، ص ۴۲ ؛ تفسير ابن كثير ، ج ۱ ، ص ۱۱۸ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۱۲ ، ص ۲۲ . وتمام البيت هكذا : ألا ليتما هذا الحمام لناإلى حمامتنا أو نصفه فقد


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
312

باب المستأكل بعلمه والمباهي به

۱.محمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ؛ وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا، عن حمّاد بن عيسى ، عن عُمَرَ بن اُذينةَ ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سُلَيم بن قيس، قال : سمعتُ أميرَ المؤمنين عليه السلام يقول :«قالَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله : مَنهومانِ لا يَشْبَعانِ : طالبُ دنيا ، وطالبُ علمٍ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحَلَّ اللّه ُ له سَلِمَ،ومن تناوَلَها من غير حِلّها هَلَكَ،

باب المستأكل بعلمه والمباهي به

قوله صلى الله عليه و آله في حديث سُلَيْمِ بن قَيْسٍ : (مَنهومان لايَشبَعان : طالبُ دنيا ، وطالبُ علمٍ ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحَلَّ اللّه ُ له سَلِمَ ، ومن تَناوَلَها من غير حِلّها هَلَكَ ، إلاّ أن يتوب ، أو يُراجِعَ ، ومن أخَذَ العلمَ من أهله وعَمِلَ بعلمه نَجا ، ومن أراد به الدنيا فهي حَظُّه) .
النهمة : بلوغ الهمّة في الشيء ، وقد نهم بكذا فهو منهوم ، أي مولع . والنَهَم ـ بالتحريك ـ إفراط الشهوة في الطعام ، شبّه عليه السلام مَن يتناول الدنيا مِن أيّ وجه اتفّق ولا يشبع من تناولها ومَن يحصّل العلم ـ سواء كان علماً نافعاً أم ضارّاً ، أم خالياً من النفع والضرر ، وسواء قَرَنَه بالعمل أم لا ، وسواء كان أخَذَه مِن أهله أم لا ـ بمن لا يشبع من الطعام ، أي لا يكتفي بما فيه صلاحه ، فكما أنّ الزيادة منه مفسدة للبدن ومخرجة للمزاج عن قرب الاعتدال وربما أهلكته ، فكذلك الدنيا والعلم ، فإنّ الزيادة عمّا هو مأمور بأخذه على وجهه مفسدة للدين ، وقد تذهب به وتهلكه ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ اللّه له ، فقد كفَّ شهوته عن الزائد عن القدر المفسد ، كمن كفَّ شهوة بطنه .
وكذا العلم ، فإنّ مَن أخذه مِن أهله وهم أهل العلم عليهم السلام ، ومن أخذه عنهم وانقادَ لما يأخذه وعمل به ، سَلِمَ من ورطة الشبهات الحاصلة من العلوم التي لا تنفع ، بل قد تضرّ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 87514
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي