375
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۹.الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عاصم بن حُميد ، عن أبي بصير ، قال :سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «اكْتُبوا ، فإنّكم لا تَحفظون حتّى تَكتبوا» .

قوله عليه السلام في حديث أبي بصير : (اُكْتُبوا ، فإنّكم لا تَحفَظونَ حتّى تَكْتُبوا) .
من هذا الحديث يظهر وجه آخر للأوّل يفسّره هذا ، وهو أن يكون المراد به أنّ القلب له اعتماد على الكتابة بحيث إذا أراد حفظ شيء على وجهه لا يتيسّر إلاّ بعد الكتابة ، فيكون أمراً بالكتابة قبل الحفظ ، ثمّ بالحفظ ؛ فيتّحد مضمونهما أو يتقارب على أحد الوجهين الآتيين .
ومعنى «لا تحفظون حتّى تكتبوا» يحتمل وجهين :
أحدهما : لا تحفظون ما تسمعون عن الزيادة والنقصان والتبديل والتغيير إلاّ بالكتابة ، فإنّ ذلك كثيراً ما يحصل من الحفظ عن ظهر القلب ، فمع الكتابة يؤمن من ذلك . والثاني : أنّه لا يتيسّر الحفظ عن ظهر القلب على وجهه إلاّ بالكتابة ؛ لأنّ الإنسان إذا أراد حفظ شيء بمجرّد سماعه ، قلّما يتّفق له ذلك ؛ فإذا كتب ثمّ كرّر المراجعة تيسّر له الحفظ إذا أراده .
ويمكن إرادتهما معاً .
والظاهر أنّ معنى «لا تحفظون حتّى تكتبوا» : لا يتيسّر لكم حفظ كلّ ما تريدون حفظه على وجهه حتّى تكتبوا ، فلا يرد إمكان الحفظ في الجملة من دون الكتابة أو باعتبار الغالب ؛ واللّه أعلم .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
374

۸.عليُّ بن محمّد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي أيّوب المدنيّ ، عن ابن أبي عمير، عن حسين الأحمسيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«القلبُ يَتَّكِلُ على الكتابة».

قوله عليه السلام في حديث الأحمسيّ : (القلبُ يَتَّكِلُ على الكتابة) .
يحتمل هذا الكلام وجهين :
أحدهما ـ وهو الظاهر والموافق لعنوان الباب ولما بعده من الأحاديث ـ : أن يكون المراد به الحثَّ على الكتابة وعدم الاعتماد على الحفظ عن ظهر القلب ولو بالكتابة أوّلاً ثمّ الحفظ إن اُريد ، فإنّ الحفظ قلّما يتّفق على الوجه المعتبر مع طول الحديث أو تعدّده وكثرته ، أو ضعف الحافظة وخصوصاً إذا لم يحفظ بعد الكتابة ، ففي الكتابة اعتماد للقلب واتّكال عليها بحيث يرجع إليها مع عدم الحفظ وإلى ما يشتبه عليه مع الحفظ كما يعتمد من يشقّ عليه أمرا و لا يقدر عليه على من يحمله عنه أو يساعده عليه ، فالكلام خبر يتضمّن الأمر بالكتابة .
وهذه العبارة من البلاغة بمكان ، فإنّها متضمّنة للأمر مع إفادة ما ذكر سابقاً ، ومتضمّنة للأمر بتعلّم الكتابة وأنّها لا يستغنى عنها ، وإنّه بها تضبط الأحاديث وغيرها ، وتحفظ عن الزيادة والنقصان ونحوهما ومفيدة ؛ لأنّ القلب مناط الحفظ بنفسه أو مع من يعتمد عليه .
الثاني : أن يكون المراد به الأمر بالحفظ عن ظهر القلب ، كما قيل : إنّه كان متعارفاً في الصدر السالف ، وإنّ الكتابة إذا حصلت فقد اتّكل القلب عليها ولم يتوجّه إلى الحفظ ، كما هو وجدانيّ ، ومن هذا شأنه يذهب علمه بذهاب كتبه ، بخلاف من كان حافظاً .
وقد قيل لبعض الحكماء : ما الذي ينبغي للإنسان أن يقتنيه؟ فقال : ما إذا كسرت به سفينته ۱ وغرق ما فيها ونجا بنفسه ، نجا معه .
ولا ينافيه الأمر بالكتابة في الحديث الذي بعده وغيره ، فإنّه أمر بها لأجل الحفظ ، وفرق ۲ بين الكتابة مطلقاً وبينها لأجله .
بقي إحتمال آخر ، وهو أن يكون مراده عليه السلام مجرّد بيان أنّ القلب له اعتماد على الكتابة ، فمن أراد أن يفعل ما يعتمد عليه القلب فليفعل ، ومن أراد أن يكون معتمده قلبه فليفعل .
وهذان الاحتمالان بالنظر إلى مجرّد الحديث ودلالته ـ مع قطع النظر عن نقله في هذا الباب ـ مع أنّه يمكن إدخاله فيه حينئذٍ بوجه .
والوجه هو الأوّل ، والثاني لا يخلو من بُعد ، والثالث أبعد ؛ واللّه أعلم .

1.في «ألف ، ب ، د» : «سفينة» .

2.في «د» : «ولا فرق» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 104846
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي