379
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۱۲.وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن عليّ ، رَفَعَه ، قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إيّاكم والكَذِبَ المُفترعَ». قيل له : وما الكَذِبُ المفترع؟ قال : «أن يُحدِّثَك الرجلُ بالحديث فتَتْرُكَه وتَروِيَه عن الذي حَدَّثَك عنه» .

قوله عليه السلام في حديث محمّد بن عليّ : (إيّاكم والكَذِبَ المُفْتَرِعَ . قيل له : وما۱الكَذِبُ المفترِع؟ قال : أن يُحَدِّثَك الرجلُ بالحديث ، فَتَتْرُكَه وتَروِيَه عن الذي حَدَّثَك عنه) .
هذا مخصوص بغير ما رخّص عليه السلام فيه من رواية أبيه عنه وبالعكس ، وبما يحتمل تعدّيه إلى غيرهما منهم عليهم السلام كما تقدّم . والمعنى : فتترك الذي رويت عنه وترويه عمّن روى عنه .
ولذلك أسباب : منها زيادة اعتبار الأوّل وشهرته ، أو ضبطه وحفظه ونحو ذلك . ومنها إرادة قرب الإسناد . ومنها كونه أحد المعصومين عليهم السلام . ومنها أنّ من روى عنه لو ذكره قد تردّ روايته بسببه ، أو أنّها لا تفيد العلم أو الظنّ الحاصل ممّن ۲ روى عنه، وغير ذلك ممّا هو مبسوط في كتب الدراية ۳ ، وفي كلّ ذلك كذب وتدليس.
وفيه نهي عن الإرسال في الجملة ، وقد لا يدخل فيه الإرسال مع عدم الترك للرواية عن غيره ولا مع ما يدلّ على الترك والإرسال ؛ فليفهم واللّه أعلم .
و«المفترع» كأنّه مأخوذ من افترعت البكر : إذا اقتضضتها ۴ ؛ إمّا باعتبار أنّ الاقتضاض يوجب نقصاً زائداً في البكر ، فكذا هنا يوجب النقص الزائد في الحديث ، فإنّه لولا ذلك لربما ظهر عدم صحّة الحديث . وبالجملة ، فهو تضييعٌ للحديث وإخراجٌ له عن وجهه وطريقته ؛ فإسناده مجازيّ .
وإمّا باعتبار أنّ الجرأة على هذا الكذب كالجرأة على الاقتضاض ، فهو مثله في التهجّم على أمر عظيم بالنسبة إلى ما يتعلّق به من الأحكام التي قرّرها الشارع خصوصاً إذا كان حراماً ، فإنّه يترتّب عليه مفاسد كثيرة .
وإمّا باعتبار أنّ الاقتضاض شيء لم يسبق المقتضّ إليه أحد ، فكأنّ هذا الكذب أمر اخترعه هذا الكاذب ولم يسبق إليه ، فيكون أعظم من غيره من أنواع الكذب ، فإنّه قد يترتّب عليه تحليل حرام وتحريم حلال وغير ذلك ممّا لولا هذا الكذب لظهر أمره وترك .
وكونه أعظم من غيره هنا إضافي ، ولم أجد في كتب اللغة التي تحضرني معنى للافتراع غير هذا ، وتفسيره عليه السلام له كاف ، فإنّهم أئمّة كلّ فنّ ، وما ذكرتُه من كلام أهل اللغة لاحتمال المناسبة المذكورة ؛ واللّه أعلم .

1.في «ج» : + «هو» .

2.في «ج ، د»: «ممّا».

3.انظر سماء المقال ، ج ۲ ، ص ۱۸۵ و ۲۰۸ .

4.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۲۵۸ (فرع) .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
378

۰.فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنَسون فيه إلاّ بكُتُبِهم» .

وقوله عليه السلام : «فإنّه يأتي على الناس ...» يمكن أن يكون تفريعاً على جميع ما تقدّمه وتعليلاً له ، فإنّ الذي يكتب يأنس بكتبه ، ومن بثّ علمه إليه لا يكون حفظه للعلم على وجهه وتحصيله التامّ إلاّ بالكتابة ونحوها . والأمر بالكتابة ونحوها من جملة العلم المبثوث ، وكذلك من وصلت إليهم الكتب ، وإن كان التفريع بما عدا البثّ أظهرَ وخالياً من التكلّف .
و«زمان هرج»بالإضافة، ويحتمل أن يكون من قبيل «رجل عدل»، لكنّه بعيد.
وفي الصحاح : الهرج : الفتنة والاختلاط ۱ . وكأنّ المراد به هنا زمان لا يؤخذ فيه العلم من أهله ، ويكثر فيه القول بغير علم ، ويختلط فيه الحقّ بالباطل ، وتقع الفتنة بين من يدّعون العلم لعدم تفحّصهم على وجه الحقّ ، وميل كلّ إلى ما تكلّم به واقتضاه رأيه كيف كان ، وعدم الرجوع إلى الحقّ عمّا قاله لئّلا يتّهم بعدم المعرفة .
ويجمع كلّ هذا عدم الإخلاص ، وفي كلّ هذا اختلاطٌ وفتنةٌ يوجبان التوحّش من أهلهما ، نسأل اللّه العفو والعافية ، فمن كانت عنده كتب يعتمد عليها كان اُنسه بكتبه ، أي بما فيها ، فلا يستوحش لفتنة ولا اختلاط . ويحتمل أن يكون المراد بزمان الهرج زمانا تعدم أو تقلّ فيه المصادقة والاجتماع على ما يرضى اللّه سبحانه ونحو ذلك ، فتنفر النفس من مخالطة الناس ، وتميل إلى تركهم والانفراد عنهم ، فيحصل من الوحدة وحشة بحسب الطباع البشريّة ، فإذا كانت الكتب عندهم أنسوا بها من تلك الوحشة .
ومآل الوجهين متقارب ، وإرادتهما وما يشملهما ممكنة .
ولا ينافي ذلك أنّ من أنس باللّه لم يستوحش من غيره ، فإنّ مصاحبة الكتب والتأمّل فيها وتدبّرها والعمل بما فيها من أعظم الاُنس باللّه .
والمراد بالناس من كانوا مستحقّين التسميةَ بالناس ، وهم المستأنسون بذلك ، فإنّ أهل الفتنة ليسوا من الناس ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۳۵۰ (هرج) .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 104837
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي