۱۲.وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن عليّ ، رَفَعَه ، قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إيّاكم والكَذِبَ المُفترعَ». قيل له : وما الكَذِبُ المفترع؟ قال : «أن يُحدِّثَك الرجلُ بالحديث فتَتْرُكَه وتَروِيَه عن الذي حَدَّثَك عنه» .
قوله عليه السلام في حديث محمّد بن عليّ : (إيّاكم والكَذِبَ المُفْتَرِعَ . قيل له : وما۱الكَذِبُ المفترِع؟ قال : أن يُحَدِّثَك الرجلُ بالحديث ، فَتَتْرُكَه وتَروِيَه عن الذي حَدَّثَك عنه) .
هذا مخصوص بغير ما رخّص عليه السلام فيه من رواية أبيه عنه وبالعكس ، وبما يحتمل تعدّيه إلى غيرهما منهم عليهم السلام كما تقدّم . والمعنى : فتترك الذي رويت عنه وترويه عمّن روى عنه .
ولذلك أسباب : منها زيادة اعتبار الأوّل وشهرته ، أو ضبطه وحفظه ونحو ذلك . ومنها إرادة قرب الإسناد . ومنها كونه أحد المعصومين عليهم السلام . ومنها أنّ من روى عنه لو ذكره قد تردّ روايته بسببه ، أو أنّها لا تفيد العلم أو الظنّ الحاصل ممّن ۲ روى عنه، وغير ذلك ممّا هو مبسوط في كتب الدراية ۳ ، وفي كلّ ذلك كذب وتدليس.
وفيه نهي عن الإرسال في الجملة ، وقد لا يدخل فيه الإرسال مع عدم الترك للرواية عن غيره ولا مع ما يدلّ على الترك والإرسال ؛ فليفهم واللّه أعلم .
و«المفترع» كأنّه مأخوذ من افترعت البكر : إذا اقتضضتها ۴ ؛ إمّا باعتبار أنّ الاقتضاض يوجب نقصاً زائداً في البكر ، فكذا هنا يوجب النقص الزائد في الحديث ، فإنّه لولا ذلك لربما ظهر عدم صحّة الحديث . وبالجملة ، فهو تضييعٌ للحديث وإخراجٌ له عن وجهه وطريقته ؛ فإسناده مجازيّ .
وإمّا باعتبار أنّ الجرأة على هذا الكذب كالجرأة على الاقتضاض ، فهو مثله في التهجّم على أمر عظيم بالنسبة إلى ما يتعلّق به من الأحكام التي قرّرها الشارع خصوصاً إذا كان حراماً ، فإنّه يترتّب عليه مفاسد كثيرة .
وإمّا باعتبار أنّ الاقتضاض شيء لم يسبق المقتضّ إليه أحد ، فكأنّ هذا الكذب أمر اخترعه هذا الكاذب ولم يسبق إليه ، فيكون أعظم من غيره من أنواع الكذب ، فإنّه قد يترتّب عليه تحليل حرام وتحريم حلال وغير ذلك ممّا لولا هذا الكذب لظهر أمره وترك .
وكونه أعظم من غيره هنا إضافي ، ولم أجد في كتب اللغة التي تحضرني معنى للافتراع غير هذا ، وتفسيره عليه السلام له كاف ، فإنّهم أئمّة كلّ فنّ ، وما ذكرتُه من كلام أهل اللغة لاحتمال المناسبة المذكورة ؛ واللّه أعلم .