۲.عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن حسين بن المنذر ، عن عُمَر بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال :سمعته يقول : «إنّ اللّه َ تبارك وتعالى لم يَدَعْ شيئا يحتاج إليه الأُمّةُ إلاّ أنزلَه في كتابه، وبَيَّنَهُ لرسوله صلى الله عليه و آله وجعَل لكلّ شيء حدّا ، وجعل عليه دليلاً يَدلُّ عليه ، وجعل على من تعدّى ذلك الحدَّ حَدًّا» .
قوله عليه السلام في حديث عُمَرَ بن قَيْسٍ : (إنّ اللّه َ ـ تَبارك وتَعالى ـ لم يَدَعْ شيئاً يَحتاجُ إليه الاُمّةُ إلاّ أنزَلَه في كتابِه وبَيَّنَه لرسولِه صلى الله عليه و آله ، وجَعَلَ لكلِّ شيءٍ حَدّاً ، وجَعَلَ عليه دليلاً يَدُلُّ عليه ، وجَعَلَ على مَن تَعَدّى ذلك الحدَّ حَدّاً) .
في هذا الحديث تصريح بالبيان للرسول عليه السلام ، ولا ينافيه ظهور بعضه لغيره ، فإنّ المراد ـ واللّه أعلم ـ بيان الجميع ، أو أنّ الذي يظهر معناه قد لا يظهر كلّه . وقد يكون المراد منه خلاف ما ظهر ، أو أنّ بيانه له عليه السلام لظاهره وباطنه .
ومعنى «جعل لكلّ شيء حدّاً» واللّه أعلم : أنّه تعالى جعل له حكماً يتعلّق به لا ينبغي تجاوزه ، سواء كان حدّاً خاصّاً أم غيره ، وجعل على ذلك الحكم دليلاً يدلّ عليه بحيث لو سُئل النبيّ أو الإمام عليهماالسلام عن الدليل على ذلك الحكم من القرآن أتى به ، أو جعل عليه دليلاً يدلّ النبيّ والإمام على معرفته من ذلك الدليل ، وهو
من جملة بيانه تعالى لرسوله صلى الله عليه و آله ، وجَعَلَ على من تعدّى ذلك الحكم حكماً ، سواء كان حدّاً خاصّاً أم غيره ، كحكم وجوب الصوم مثلاً ، فلو تعدّاه المكلّف بتركه الذي لا يجوز ، كانَ حكمه وجوب القضاء والكفّارة ، أو القضاء فيما يقتضي كلاًّ منهما ؛ وكالقصاص لو تعدّى فيه ، كانَ حكمه استيفاء الزائد ؛ وكذا الجلد ونحوه ممّا يلزم بسببه الحدّ الخاصّ أو العامّ ، وكجواز أكل الميتة إذا بلغ الإنسان الحدّ الذي يجوز له أكل مقدار منها ، فإن تجاوزه فَعَلَ حراماً ، وكان عليه الإثم والتعزير .
وأيّ بُعد في كون كلّ شيء في القرآن ، بل في سورة ، بل في آية على وجه اقتضته قدرة اللّه سبحانه وتعالى بحيث يستخرج كلّ شيء منه بتبيينه تعالى وتعليمه ؛ ونحن نرى بعض أهل العلوم كأهل الرمل يستخرجون أشياء كثيرة من خطوط ونُقَط أصلها الأشكال الأربعة ، ونحوهم أهل النجوم مع أنّه ليس عندهم من العلم إلاّ اسمه أو رسمه ، وكذا غيرهم من أهل علم الحرف والجفر وغيرهم ، فأهل العلم الحقيقي إذا اطّلعهم اللّه على ما يريده من استخراج كلّ شيء من القرآن لا يبعد ، إلاّ عند من ينسب قدرته تعالى إلى النقص ويَقيسها على قدرة البشر ، ومن المشهور كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في تفسير بسم اللّه الرحمن الرحيم ۱ .
وإن كان القرآن أكثر من الموجود ـ كما يدلّ عليه بعض الأحاديث ـ فالأمر أظهر .
فإن قلت : تقدّم ما يدلّ على أنّ المعنى : جعل على كلّ حكم دليلاً يدلّ عليه ، بمعنى أنّه لو طلب الدليل لاستدلّ به ، فكيف يستدلّ بما هو غير ظاهر لطالب الدليل .
قلت : لا بُعد في كونه عليه السلام يأتي له من القرآن بما يدلّه على المطلوب بحيث يقبله الخصم ؛ على أنّ المقام يحتمل غير هذا ، كأن يكون الدليل له عليه السلام ومن لا يصدّق به لا ينفعه الدليل ، ومن صدّق به يقبل ما يقوله من أنّ اللّه جعله ۲ دليلاً مع فهمه لذلك أو دليلاً له عليه السلام ، فالمصدّق بالنبوّة والقرآن يصدّق بمثل ذلك ؛ واللّه تعالى أعلم .