۰.ولن ينطقَ لكم ، اُخبِرُكم عنه ، إنّ فيه علمَ ما مضى ، وعلمَ ما يأتي إلى يوم القيامة ، وحُكمَ ما بينَكم ، وبيانَ ما أصْبَحْتم فيه تَختلفونَ ، فلوسَأَلتُموني عنه لَعَلَّمْتُكم» .
وقوله عليه السلام «ولن ينطق لكم» يعني به أنّكم لا تتوهّموا أنّ مرادي باستنطاقه أن ينطق لكم بلسان ونحوه ، كما ينطق الإنسان ، فإنّ هذا لا يكون منه في الدنيا بحسب ماجرت به عادة اللّه ، وإلاّ فاللّه سبحانه قادرٌ على إنطاقه كإنطاق الشجرة والجوارح وغيرها . وحاصله : أنّكم اطلبوا منه أن يخبركم بما فيه ، وأنا الذي يعبّر عنه .
ويمكن أن يكون مراده عليه السلام أنّهم قد علموا بأنّ في القرآن تبيانَ كلّ شيء ، وأنّ اللّه سبحانه أنزله لمصلحة العباد والعمل بما فيه ، وأنّهم لا يعلمون مافيه ، فاستعلامهم بأحد أمرين : إمّا أن يطلبوا من القرآن أن ينطق لهم بالبيان ، أو يكونَ البيان ممّن يعلم القرآن ، فأمرهم بالاستنطاق للتعجيز وأنّ هذا لا يقع أصلاً ، فما بقي إلاّ أن يكون أحد ينطق عنه ويبيّن ما فيه ، وذلك منحصر في أميرالمؤمنين عليه السلام في ذلك الوقت ، وليس لأحد غيرِه ممّن خالفه أهليّةُ ذلك .
ويحتمل أن يكون المراد من استنطاقه معرفةَ الأحكام وغيرها منه من غير بيان لهم ، ثمّ بيّن لهم عليه السلام مافيه على وجه الإجمال ، فقال : «إنّ فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة ، وحكم ما بينكم ، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون ، فلو سألتموني عنه لعلّمتكم» .
فقوله عليه السلام : «وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون» يريد به ـ واللّه أعلم ـ أنّ هذا الاختلاف الواقع بينكم في أمر من تجب طاعته وغيره وغير ذلك من الاختلاف لو سألتموني ورجعتم إليّ لأخبرتكم بما دلّ عليه القرآن ممّا يرفع الاختلاف عنكم ، ويدلّكم على الحقّ الواضح ، فإنّ دين اللّه واحد ، ولم يدَع في القرآن ما يحصل بسببه الاختلاف بعد بيانه من أهله . وفي «لو» دلالة على امتناع وقوع ذلك منهم ولو من جميعهم ، وحاصل الكلام منه عليه السلام تذكيرهم بنعمة اللّه التي رُفعت عنهم ما كانوا فيه من البؤس والشقاء ، وهي بعثة الرسول صلى الله عليه و آله وما يترتّب لهم عليها من المنافع الدنيويّة والاُخرويّة ليعتبروا ويشكروا اللّه على هذه النعمة ويطيعوا أهل العدل لتبقى لهم ويفوزوا بسعادَتيِ الدارين ؛ واللّه أعلم .