509
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.قال : الحكمُ ما حَكَمَ به أعدلُهما وأفقهُهما وأصدقُهما في الحديث وأورعُهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر» .

قوله عليه السلام فيه : (الحُكْمُ ما حَكَمَ به أعدَلُهما وأفقَهُهما وأصدَقُهُما في الحديثِ وأورَعُهما ، ولا يَلْتَفِتْ إلى ما يَحكُمُ۱به الآخَرُ) .
ظاهر مثل هذا التركيب اعتبار حكم من اتّصف بالزيادة في الجميع ، والظاهر إرادة الاكتفاء بالزيادة ولو في واحد ؛ أو أنّه بمعنى أعدلهما ، فإن تساويا فأفقههما ، فإن تساويا فأصدقهما في الحديث ، فإن تساويا فأورعهما .
ومرجع الوجهين إلى أنّ مثل هذا الكلام يفيد اعتبار حكم من كان فيه كذا وكذا ، أو حكم من كان فيه كذا ، وحكم من كان فيه كذا فعلى الأوّل ظاهر ، وعلى الثاني الحكم ما حكم به أعدلهما ، والحكم ما حكم به أفقههما ، وهكذا ، وحينئذٍ يفيد أنّ الزيادة في واحد يكفي ۲ ، وكان المقام ـ واللّه أعلم ـ يقتضي اعتبار الاكتفاء بزيادة وصف فما زاد ، وإن كانت القاعدة قد تؤيّد الوجه الأوّل ، لكنّ القرينة دلّت على خلافها ؛ واللّه أعلم .
و«الأعدل» من شهد بعدالته أكثر ممّن شهد بعدالة الآخر ، وغير ذلك ممّا تثبت به العدالة ، ويزيد أحدهما عن الآخر .
والزيادة في الفقه الزيادة في معرفته ، وفهم أحكامه ، وفهم معاني الحديث ووجوه دلالته ونحو ذلك زيادةً عمّا به يصحّ الإفتاء والحكم . ويحتمل اعتبار أفقههما في تلك المسألة .
و«الأصدق» بمعنى ثبوت زيادة صدقه وتحقّقه أكثر ، لا أنّه أكثر صدقاً باعتبار كذبه وكذب الآخر ، فإنّ من كان كذلك كان خارجاً غير مراد . و«الأورع» يُعرف بنحو ما تقدّم .
وتقييد «أصدقهما» بقوله عليه السلام «في الحديث» قد يفهم منه أنّه إذا اعتبر زيادة صدقه في الحديث كانت كافية وإن لم يزد في غير الحديث ، بل وإن نقص في غيره .
ويحتمل أن يكون ذكر الحديث لكون المقام متعلّقا به ، فهو لبيان ما يتعلّق به الكلام من غير ملاحظة المفهوم ، ومع ملاحظته لو زاد غيره عليه في غير الحديث فلا اعتبار بهذه الزيادة ، فالترجيح لزيادة صدق الحديث لا لغيرها ، وكذا لو ساواه .
وكأنّ المراد بالتقييد اعتبار المفهوم ؛ واللّه أعلم .
وقد يفهم من التقييد أنّه إذا كان أصدق منه في الحديث وكان حالهما مجهولاً في غيره لا يقدح فيهما ، ففيه دلالة حينئذٍ على أنّ الأصل في المؤمن العدالة .
وهو كماترى .
والتعلّق بمثل هذا المفهوم لا يخلو من شيء .
وعدم الالتفات إلى ما يحكم به الآخر ، إمّا لأنّ صاحب الزيادة يكون الحقّ في نفس الأمر معه ، وإن كان لا يقدح ظاهراً في عدالة الآخر وصدقه وفقهه وورعه ؛ لاحتمال استناده إلى سهو ونحوه ؛ وإمّا أمر منه عليه السلام باتّباع حكم هذا دون ذاك لما هو أعلم به .

1.في «ج» : «ما حكم» .

2.كذا . والأولى : «تكفي» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
508

۰.فإذا حَكَمَ بحُكمِنا فلم يَقْبَلْهُ منه فإنّما استخَفَّ بحكم اللّه وعلينا رَدَّ ، والرادُّ علينا الرادُّ على اللّه ، وهو على حدّ الشركِ باللّه » .
قلت : فإن كانَ كلُّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا، فرَضِيا أن يكونا الناظِرَيْنِ في حقّهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختَلَفا في حديثكم؟

وقوله عليه السلام : «فإذا حكم بحكمنا» إلى آخره لإفادة أنّ من جمع هذه الشرائط لايكفي في قبول حكمه كيف كان جمعها ، بل إذا حكم بحكمهم عليهم السلام ، وهذا يُعرف بالعدالة والورع والصدق الآتي اشتراطها .
ومعنى كونه على حدّ الشرك باللّه أنّه وصل بهذا إلى حدّ الشرك ، وقارب أن يدخل فيه وفي إثمه ، فهو الآنَ في إثم مَن هو كذلك ؛ أو كونه على حدّ الشرك من حيث إنّه أخذ الحكم من غير أهله ، فكأنّه اتّخذ مع اللّه شريكاً في أخذ الحكم عنه ، مع أنّ الحكم للّه وحده ؛ أو قارب أن يجعل معه شريكاً في الحكم ؛ واللّه أعلم .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 88969
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي