۰.قال : فقال : «يُنْظَرُ إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك ، فيؤخَذُ به من حكمنا ، ويُترَكُ الشاذُّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ،
وقوله عليه السلام : «في ذلك الذي حكما به» يفيد التقييد فيه أنّ هذا الذي تردّ روايته لشذوذها لا يكون ذلك قادحا فيه ، فتردّ روايته في غير هذا كما تردّ فيه ، والفرض أنّه عدل مرضيّ ؛ فلا تردّ روايته في غيره إذا لم تكن من هذا القبيل .
فإن قلت : قوله عليه السلام بعدُ : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» قد يدلّ على أنّ رواية هذا ممّا فيه ريب ، وكون روايته ممّا فيه ريب إن لم يناف العدالة ، فلا أقلّ من كون روايته تردّ مطلقا ، من حيث إنّ الريب في روايته في الجملة .
قلت : يمكن أن يكون الريب من جهة أنّه وقع منه سهو أو غفلة ونحو ذلك ، أو من حيث إنّه ورد عنهم عليهم السلام لأمر اقتضاه بحيث يكون في العمل به ريب إمّا من جهة التقيّة أو نحوها ، فالريب فيه أعمّ من الريب الذي به تردّ الرواية مطلقا ، والعامّ لا يدلّ على الخاصّ.
وقوله عليه السلام : «فَيؤخذ به من حكمنا» قد يؤيّد ذلك قوله فيه : «من حكمنا» وكذا قوله فيما بعد : «وأمر مشكل يُرَدُّ علمُه إلى اللّه وإلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله » .
فإن قلت : يمكن أن يكون المراد بقوله : «من حكمنا» من الحكم الذي نسبه إلينا ، والإضافة تصحّ لأدنى ملابسة .
قلت : هذا خلاف الظاهر ، فلا يعدل عن الظاهر .
فإن قلت : من المشهور أنّه إذا قام الاحتمال بطلَ الاستدلال .
قلت : المراد في مثله بقيام الاحتمال كونه مقاوما للاحتمال الآخر ، ولفظ «قام» يشعر به ، وإلاّ لبطل الاستدلال بالظواهر ، فإنّه لا يكاد يخلو مثلها من الاحتمال المخالف لها . نعم ، يبقى احتمال أن يكون قوله عليه السلام «من حكمنا» بمعنى أنّ هذا يؤخذ به من جملة أحكامنا ، أو بمعنى : على أنّه من حكمنا ، بخلاف الشاذّ ، فإنّه ليس من حكمنا ؛ فتأمّل .
فإن قلت : ما فائدة تقييد «الشاذّ» بقوله عليه السلام : «الذي ليس بمشهور عند أصحابك»؟
قلت : يمكن أن يكون المراد به مجرّد الكشف والتوضيح ، كما هو شأن صفة المعرفة غالباً . ويمكن أن يكون فائدته التنبيه على أنّه ليس كلّ ما كان شاذّاً يُترك العمل به لشذوذه من حيث التعليق على المشتقّ ، بل ما كان من الشاذّ من هذا القبيل ، فإنّ بعض الشاذّ إذا كان العمل به مشهوراً لا يُترك العمل به لشذوذه ، وبعض الشذوذ لاينافي الشهرة ، بل قد يعمل بالشاذّ وإن لم يكن مشهوراً إذا لم يقابله مشهور .
فإن قلت : هل يدلّ هذا الكلام على حجّيّة الإجماع؟
قلت : هذا مخصوص بالإجماع على ما به رواية عنهم عليهم السلام ، لا مطلقا ، فهو دالّ على حجّيّة هذا الإجماع الذي هو أخصّ من الإجماع المتعارف .
وفيه دلالة على أنّ المخالف المعلوم النسب لا يقدح في هذا الإجماع . وبأمر المعصوم بالعمل به يدخل قوله فيه ، وإن فرض كون الرواية ليست عنه في الواقع .
ويمكن أن يكون المراد بـ «المجمع عليه» هنا معنى المشهور بقرينة قوله عليه السلام : «الذي ليس بمشهور عند أصحابك» فتأمّل .
وقوله عليه السلام : «فإنّ المجمع عليه لاريب فيه» تفريع على قوله : «ينظر ۱ إلى ما كان» إلى آخره وتعليلٌ له .