513
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.فيُجْتَنَبُ ، وأمرٌ مشكلٌ يُرَدُّ علمُه إلى اللّه وإلى رسوله ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حلالٌ بَيِّنٌ وحرامٌ بَيِّنٌ وشبهاتٌ بين ذلك ، فمن تَرَكَ الشبهاتِ نجا من المحرّمات ، ومن أخَذَ بالشبهاتِ ارتَكَبَ المحرّماتِ ، وهَلَكَ من حيثُ لا يَعلَمُ» .

وأمرٌ مشكلٌ يُرَدُّ علمُه إلى اللّه ِ وإلى رسول اللّه 1 صلى الله عليه و آله ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حلالٌ بَيّنٌ وحرامٌ بَيِّنٌ وشبهاتٌ بينَ ذلك ، فمَن تَرَكَ الشبهاتِ نجا من المحرّماتِ ، ومن أخَذَ بالشبهاتِ ارْتَكَبَ المحرّمات ، وهَلَكَ من حيثُ لا يَعلَمُ) .
حصر عليه السلام الاُمور كلّها في ثلاثة اُمور بمعنى أنّها ترجع إلى هذه الثلاثة أقسام كلّ قسم يسمّى أيضاً أمراً ، كما تقول : الرجال ثلاثة : رجل عالم بمعنى كامل في العلم ، ورجل جاهل بمعنى كامل فيه ، ورجل بين ذلك . أحد الاُمور الذي طريقه وأمره واضح لاشبهة فيه ؛ فهذا يُتّبع ، وأمرٌ واضح غَيّه وبطلانه ، فهذا يُجتنب .
ورشده وغيّه من باب « عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ » 2 أو بتقدير رشد صاحبه أو مرتكبه ونحوه ، وكذا غيّه .
وأمر مشكل لا يعرف طريق غيّه ولا رشده ، وهذا يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله صلى الله عليه و آله .
والانقسام إلى الأقسام الثلاثة باعتبار حال الناس ، فلاينافي عدم وجود القسم الثالث في نفس الأمر .
ورَدّ علم الأخير إلى اللّه وإلى رسوله يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقال فيه : اللّه ورسوله أعلم .
والثاني : ـ وهو الأظهر ـ أنّه يرجع في معرفته وعلمه إلى اللّه ورسوله والأئمّة عليهم السلام ، فإنّهم يعلمون أمر اللّه ورسوله وكذا من أخذ عنهم ، فإنّ جميع ذلك مردودٌ إلى اللّه ورسوله .
فالمعنى : أنّ ما أشكل أمره يرجع فيه إلى اللّه وإليهم ، إمّا بمعنى علمه من كتاب اللّه وسنّة رسوله ، أو بمعنى كون معرفته مستندة إلى اللّه بواسطة رسوله ؛ فذكرهما لكون الرسول مبلّغاً وهادياً عن اللّه ، فإذا لم يمكن معرفة ذلك ردّ علمه إليهما بالمعنى الأوّل .
وهذا الكلام منه عليه السلام لفائدة ما يعمّ ما تقدّمه من ترك ما فيه ريب ، واتّباع ما لاريب فيه ، وهو المجمع عليه . ومعنى كلامه عليه السلام مارواه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإنّ الاُمور ترجع إلى الحلال والحرام والشبهات بين ذلك ، فالحلال البيّن ما ظهر حلّه من اللّه ورسوله ونوّابه عليهم السلام ، وكذا الحرام البيّن ، وما لم يظهر فهو مشتبه على من لم يصل إليه فيه أمر أو نهي ولو على وجه كلّي يجوز الأخذ به ، فمن ترك هذه الشبهات ـ بمعنى المشتبه عليه أمرها من كونها حلالاً أو حراماً ـ نجا من المحرّمات . وهذا لا شبهة فيه ، فإنّ من تركها لم يقع فيما هو محرّم في نفس الأمر ، ولا فيما هو محرّم الدخول فيه من غير باب ، وإن لم يكن حراما في نفس الأمر .
«ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات» أمّا على الأوّل فإنّه مع ارتكابه للشبهات المتعدّدة لا يكاد يسلم من الوقوع في المحرّمات ، وأمّا على الثاني فإنّه بمجرّد ارتكابها يقع في المحرّمات .
وكان هذا أظهر بحسب المعنى ، وإذا فعل ذلك هلك من حيث لا يعلم .
وفي هذا قرينة مّا على الأوّل ، فإنّه لا يظهر له الحرام فيقول : اجتنبه لكونه حراماً ، فيرتكبه لاحتمال حلّه ، فيهلك 3 وهو غير عالم بوجه الهلاك .
وعلى الوجه الآخر ، معنى هلاكه من حيث لا يعلم : أنّها من حيث إنّها شبهات يرتكبها غافلاً عن كون ما يشتبه أمره لا يجوز ارتكابه ؛ لأنّ فيه شبهةَ عدم معرفة وجهه ، فيهلك
وهو جاهل بذلك . وليس المراد الغفلة التي يرتفع التكليف معها ؛ واللّه أعلم .
بقي احتمال آخر ، وهو أن يكون معنى قوله صلى الله عليه و آله : «من ترك الشبهات نجا من المحرّمات» إلى آخره : أنّ من ترك الشبهات نجا من الوقوع في المحرّمات ، فإنّ الإنسان إذا سهل على نفسه أمر الشبهات وارتكابها ترقّى منها إلى ارتكاب المحرّمات، وهذا أمر وجداني ، فمن حام حول الحمى أوشك أن يدخله ، ومن كثر تردّده حوله دخله ، فإذا منع نفسه من الشبهات من أوّل الأمر ، كانَ منعها من المحرّمات بطريق اُولى،ومَن تعلّق بالشبهات انتهى الأمر به إلى ارتكاب المحرّمات.
ومعنى هلاكه حينئذٍ من حيث لا يعلم : أنّ الإنسان إذا تصوّر الحرام ونحوه ممّا هو عظيم في نفسه ارتكابه من أوّل الأمر رآه أمراً عظيما في عينه ، فلا يكاد يقدم عليه إلاّ بجرأة تامّة ، كمن أراد الصعود إلى مكان عالٍ بغير مرقاة ، فإذا خفض على نفسه وسلك ما هو أسهل منه وَلَجَ في ذلك ودخَل أوّلاً فأوّلاً ، كان حين وصوله إليه بعد ذلك أمراً سهلاً عليه ، فينسى أو يتناسى ذلك الأمر العظيم أوّلاً ، فيصير وصوله إليه ودخوله فيه كوصول غير العالم بحاله 4 ودخوله . وهذا أمر ظاهر مكشوف وجداني في مرتكبي الشبهات أوّلاً ، وانتهائهم إلى الدخول في المحرّمات ، كاتّباع أهل الدنيا والجور ومعاونيهم ، تراهم أوّلاً ينزّهون أنفسهم عمّا هو ظاهر الحرام والظلم ، وفي زمانٍ يسيرٍ يترقون إلى أسفل دركات الحرام وظلم الناس ؛ نسأل اللّه التوفيق وحسن الخاتمة ، ونعوذ به من كلّ ما لا يرضاه .
وإذا تأمّلتَ ما ذكرناه أمكنك الجمع بين ماهنا وما روي عن أبي عبداللّه عليه السلام من قوله : «كلّ شيء يكون فيه حرام وحلال ، فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» 5 . وكذا لو حمل ماهنا على ما يناسب ذكره في هذا الباب . ولا يذهب فكرك إلى أنّ ما تقدّم من الكلام يتضمّن تحريم الحلال ، وينافي كون الأصل في الأشياء الإباحةَ مع احتمال دلالته على خلافه ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.في الكافي المطبوع وأكثر نسخه : «رسوله» .

2.الحاقّة (۶۹) : ۲۱ ؛ القارعة (۱۰۱) : ۷ .

3.في «ج» : «فيهلكه» .

4.في «ج» : بحلاله» .

5.الكافي ، ج ۶ ، ص ۳۳۹ ، باب الجبن ، ح ۲ ؛ الفقيه ، ج ۳ ، ص ۳۴۱ ، ح ۴۲۰۸ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۷ ، ص ۲۲۶ ، ح ۹۸۸ ؛ وج ۹ ، ص ۷۹ ، ح ۳۳۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۷ ، ص ۸۷ ، ح ۲۲۰۵۰ ؛ و ج ۲۴ ، ص ۲۳۶ ، ح ۳۰۴۲۵ ؛ وج ۲۵ ، ص ۱۱۷ ، ح ۳۱۳۷۶ ؛ وص ۱۱۹ ، ح ۳۱۳۸۲ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
512

۰.فإنّ المجمَعَ عليه لا ريبَ فيه ؛ وإنّما الأُمور ثلاثةٌ : أمرٌ بَيِّنٌ رشدُه فيُتَّبَعُ ، وأمرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ

قوله عليه السلام فيه : (وإنّما الاُمورُ ثَلاثةٌ : أمرٌ بَيِّنٌ رُشدُه فيُتَّبَعُ ، وأمرٌ بَيِّنٌ غَيُّه فيُجتَنَبُ ،

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 88961
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي