547
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

[كتاب التوحيد]

[باب حدوث العالم وإثبات المحدث]

[في حديث محمّد بن عبداللّه الخراسانيّ] ۱

قوله عليه السلام : (أرأيتَ إنْ كانَ القولُ قولَكم ...) .
الحاصل أنّه عليه السلام قال لهذا الرجل : إنّ إنكاركم مانقوله ، وإصراركم ومكابرتكم لايجديكم نفعا ؛ لأنّكم لستم قائلين بخالق وحساب وعقاب ، فإن كان القول الحقّ قولكم ـ مع أنّ قولكم ليس بحقّ ـ فنحن وإيّاكم على شِرْع واحد ؛ لأنّكم قائلين بأنّ الصلاة والصوم وغيرها من الطاعات لاتضرّ ولاتنفع ؛ لأنّه لانفع ولاضرر عندكم .
ثمّ قال عليه السلام : (وإنْ كانَ القولُ قولَنا) .
أي وإن كان القول الحقّ قولنا ، (وهو قولُنا) ، أي والقول الحقّ قولنا ، (ألَسْتُم قَد هَلَكتُم ونَجَوْنا؟) ؛ لأنّا قد فعلنا ما يجب علينا من الإقرار والصلاة والصوم والزكاة ، فقد حصل النجاة لنا بسببه ، ولكم الهلاك بالترك والإنكار .
ثمّ لمّا سأله السائل بقوله : (رَحِمَكَ اللّه ُ ، أوجِدْني كيف هو؟ وأيْنَ هو؟) أنكر عليه السلام عليه (فقالَ : وَيْلَكَ إنّ الذي ذَهَبتَ إليه غَلَطٌ ، هو أيَّنَ الأينَ ...) .
أي إنّ كلامك هذا يدلّ على أنّك تعتقد أنّ له كيف وأين 2 ، لكن لاتعلمهما . وهذا
باطل ؛ لأنّه خالق جميع الأشياء ، والكيف والأين من الأشياء ، فهما مخلوقان وحادثان ، خلقهما وأوجدهما ، والقديم لايجوز اتّصافه بالحوادث ، واحتياجُه إليها ؛ لأنّ اللازم منه العجز قبل خلقها ، والخالق على الإطلاق لابدّ وأن يكون قادرا غير عاجز دائما ، لايعتريه تغيّر ولاتبدّل ؛ لأنّ كلّ متغيّر متبدّل حادثٌ محتاجٌ إلى غيره ، فلا يكون الخالقَ على الإطلاق .
ثمّ بَيَّنَ عليه السلام [أنّ] له تنزّها عن صفات المخلوقين، فقال: (فلا يُعْرَفُ بالكيفوفيّةِ ...) .
قوله عليه السلام : (وَيْلَكَ ، لَمّا عَجَزَتْ حَواسُّكَ عن إدراكِهِ ...) .
لمّا توهّم السائل أنّ كلّ موجود لابدّ وأن يكون مدركا بالحواسّ ، وبنى على توهّمه الباطلِ أنّه إذا كان اللّه غير مدرك بالحواسّ ، فاللازم منه أن يكون «لاشيء» ، رَدَّ عليه السلام عليه بقوله : «ويلك لمّا عجزت حواسّك عن إراكه أنكرتَ ربوبيَّتَه» .
(ونحن إذا عَجَزَتْ حواسُنا عن إراكه أيْقَنّا ...) .
أي تيقُّنُنا أنّه الربّ والخالق على الإطلاق لاغيره إنّما حصَل بعد العلم بأنّه لا يدرك بشيء من الحواسّ ؛ لأنّ كلّ ما تدركه الحواسّ فهو مخلوق ، فلوكان الخالق يدرك بالحواسّ كان متّصفا بصفات المخلوقات ، وهي حادثة ، والقديم منزّه عن الحوادث .
قوله عليه السلام في جواب السائل حين سأله بقوله : «متى كان؟» : (إنّي لمّا نظرتُ إلى جَسَدي ...) أجابه عليه السلام بدليل سَبْقه على جميع الأشياء ، وقِدَمِه من أوّل مرّة ؛ لأنّه عليه السلام كان يعلم أنّه لو أجابه بأنّه كان قبل كلّ شيء ، كان يطلب منه الدليل على ذلك ؛ وحاصل الدليل أنّي لمّا نظرت إلى عجزي وافتقاري واحتياجي ، علمتُ أنّ لي خالقا ومؤثّرا ، ولاريب في تقدّم المؤثّر على الأثر ، وكذا لمّا رأيت بعض هذه الآيات العجيبات ـ من دَوَران الفلك ، وإنشاء السحاب ، وتصريف الرياح ، ومجرى الشمس والقمر والنجوم ، وغير ذلك ممّا لايحصى ـ علمتُ أنّ له مقدّرا ومُنشئا ولاريب في تقدّم المنشى ء على المُنشأ ، فعلمتُ أنّه كان قبل كلّ شيء .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۷۸ ، باب حدوث العالم وإثبات المحدث ، ح۳ .

2.كذا ، والصحيح : «كيفا وأينا» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
546
  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 88842
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي