571
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

في حديث الحسن بن عبدالرحمن ۱

قوله عليه السلام : (والكلامَ غيرُ المتكلّمِ) .
يحتمل ـ واللّه أعلم ـ أن يكون المراد : وكلام الأجسام الذي أثبتّه للّه غير متكلّمها ، كما هو ظاهر بديهيّ ؛ لأنّه عبارة عن الصوت الخاصّ ، فكيف يقول : إنّه جسم وإنّ كلامه عين ذاته ، مع وضوح المغايرة بين هذين القولين .
ويدلّ على كون المراد بالكلام في زعم هشام الكلامَ المخصوص بالأجسام . قولُه عليه السلام : (من غيرِ كلامٍ ، ولا تَرَدُّدٍ في نَفَسٍ ، ولا نُطْقٍ بِلِسانٍ) .
ويحتمل أن يكون قوله عليه السلام : «والكلام غير المتكلّم» ردّا لما زعمه من أنّ الكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحدا ؛ واللّه أعلم .

في حديث محمّد بن حكيم ۲

(إنَّ اللّه َ لا يُشْبِهُهُ شيءٌ) .
لا شبهة في أنّه لو كان كما يقولون ، لزم مشابهته للمخلوقات ؛ واللازم باطل ، فالملزوم مثله .

باب صفات الذات

في حديث أبيبصير ۳

قوله عليه السلام : (لَم يَزَلِ اللّه ُ عزّوجلَّ ربَّنا ...) .
لمّا كان ربّما يقال : إنّ العلم يقتضي معلوما ، والسمعَ والبصرَ والقدرةَ أيضا كذلك ، فينبغي أن لا ينفكّ العلم عن المعلوم ، والسمع عن المسموع ، وكذا البصر
والقدرة وبعض الصفات، وجميع ما عداه تعالى حادثٌ،فلو كانت صفاته قديمةً، للزم انفكاك اللازم عن الملزوم، وهو محال. قال عليه السلام : إنّ العلم صفة من الصفات هي عين الذات، وليست خارجة قديمة كانت قبل جميع المعلومات لا ملازمة بينها ، إنّما الملازمة بين العلم وتصوّر المعلوم ؛ لأنّه يصحّ تعلّق العلم بالمعدومات ، فلو كان بينهما ملازمة ، لما صحّ ذلك ، والتصوّر ليس من المعلومات ، وإلاّ لزم الدور أو التسلسل .
فإن قيل : على هذا يلزم كون التصوّر قديما ؛ لأنّه لا ينفكّ عن العلم ، فقد اعترفتم بقدمه ، وتصوّر الشيء سابق على العلم به ؛ فيلزم حدوث العلم ؛ لسبقه بالتصوّر ، وعدم قدم التصوّر ؛ لأنّ دليلكم عليه عدم انفكاكه عن العلم ، فبقِدم العلم لزم قِدم التصوّر ، وقد لزم حدوث العلم ، فانتفى قدم التصوّر .
قلنا : هما معا في الوجود ، لا سبق لأحدهما على الآخر ، وإلاّ لا يبقى اللزوم بينهما ، وهو ظاهر . ولا يخفى أنّ مرادنا بالتصوّر ما لا يتمّ العلم إلاّ به ، لا حصول صورة في الذهن ؛ لأنّه تعالى منزّه عنه .
قوله : (فلمّا أحدَثَ الأشياءَ وكانَ المعلومُ [وقع العلم منه على المعلوم] ...) .
أي لمّا خرجت المعلومات المتصوّرة ـ التي يتعلّق العلم بها ـ من العدم إلى الوجود ، وقع العلم منه على المعلوم ، أي كانت كما علم من غير زيادة ولا نقصان ، وفي الوقوع عليها إشارة إلى أنّ المعلومات المتصوّرة التي وقع العلم عليها كانت نفسَ هذه المعلومات من غير زيادة ولا نقصان ، فلو كان فيها زيادة أو نقصان ، لما كانت نفسَها بل غيرها ، فلزم أن يكون تصوّرها غير تصوّرها ، فلا يكون العلم واقعا عليها بل على معلوم ذلك التصوّر الآخر .
والحاصل : أنّ اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ كان عالما بجميع المخلوقات وسائر أحوالها قبل تكوينها وإيجادها ، ولا يلزم قدم العالَم ولا حدوث العالم من القول بأنّ العلم عين ذاته ؛ لما تقرّر .
فيه ۴ : (قال : قلت : فلم يَزَلِ اللّه ُ متكلِّما ؟) . ۵
لمّا سأله عليه السلام السائلُ عن الكلام : أهي صفة قديمة ؟ أجاب بأنّ الكلام من لوازم المخلوق ؛ لأنّه عبارة عن الأصوات ، وهو مخلوق من خلقه محدث ؛ لأنّه لا ينفكّ عن المتكلّم وهو حادث ، فلزم كونه حادثا ، فكلام اللّه هو خلقه الأصوات في بعض الأجسام ، فخَلْق الأجسام مقدّم عليه .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۰۶ ، ح۷ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۱۰۶ ، ح۸ .

3.الكافي ، ج۱ ، ص۱۰۷ ، ح۱ .

4.أي في حديث أبيبصير .

5.لا يخرج الكلام عن القاعدة التي ذكرها المصنّف بعد هذا في الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل ؛ لأنّه يصحّ أن يقال له تعالى : متكلّم بهذا الكلام وغير متكلّم بهذا الكلام ، ولا يقال : عالم بهذا وغير عالم بهذا (منه) .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
570

في حديث محمّد بن يزيد ۱

قوله عليه السلام : (فاطِرِ الأشياءَ إنْشاءً) .
أي من غير مادّة قديمة اُنشئت الأشياء منها ، بل هي وموادّها خلقان من خلقه .
قوله عليه السلام : (ومُبتَدِعِها ابتداءً۲) .
أي من غير علّة وداعٍ أوجب ابتداعها ، فقوله : (بقُدْرَتِه) متعلّق ب «فاطر» ، أي من غير إعانة ؛ لأنّ المادّة أقوى ، وقد ثبت أنّها من خلقه ، فخلق الأشياء بقدرته لا غير . وقوله عليه السلام : (وحِكْمَتِه) متعلّق ب «مبتدع» ، أي إنّ مقتضي الابتداع هي الحكمة .
وقوله عليه السلام : (لا مِنْ شَيْءٍ ... ، ولا لِعِلّةٍ ...) تأكيدٌ وتوضيحٌ لهما .
وقوله عليه السلام : (لإظْهارِ حِكْمَتِهِ) .
أي ليست غاية إيجاد هذه الأشياء راجعةً إليه ، بل لمّا كانت الحكمة تقتضي أن يوصل القادر على النفع النفعَ إلى مستحقّه ، وكان المستحقّ معدوما ، خلق الأشياء لظهور الحكمة وتحقّقها ، فلا يتوهّم أنّ إظهار الحكمة غاية راجعة إليه .
قوله عليه السلام : (وحَقيقةِ رُبوبيَّتِهِ) .
وذلك أنّ الربوبيّة على كلّ ما يمكن أن يكون مربوبا صفة قديمة هي عين ذاته ، لكن لمّا كانت الربوبيّة تقتضي مربوبا ، وكان اللّه ولا شيء ، كانت حقيقتها غير ظاهرة ، فأراد اللّه إظهارها ، فخلق الخلق لذلك ، وهذا الإظهار ترجع فائدته إلى العبد أيضا ؛ لأنّه يستحقّ الثواب الجزيل بمعرفته والإقرار به . ولمّا كان الإظهار لابدّ له من متعلّق ، كانَ ربّما يتوهّم أنّ بإظهار الحكمة وحقيقة الربوبيّة تُحْصِي حِكَمه وصفاتِه بعض العقول ، أو تبلغ كنهه بعض الأوهام .
دفع هذا التوهّم بقوله : (لا تَضْبِطُهُ العقولُ ، ولا تَبلُغُه الأوهامُ ...) .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۰۵ ، ح۳ . وفي الكافي المطبوع : «محمّد بن زيد» .

2.كذا في بعض نسخ الكافي ، وفي الكافي المطبوع : «ابتداعا» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 88913
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي