في حديث أيّوب بن نوح ۱
(لم يَزَلِ اللّه ُ عالِما بالأشياء قبلَ أن يَخلُقَ الأشياءَ كعِلْمه بالأشياء بعد ما خَلَقَ الأشياءَ) .
أي كما أنّه لا شبهة في علمه بالأشياء بعد خَلْقها ، كذلك علمه بها قبل الخلق لا شُبهة فيه ، أي عِلْمنا بحقيقة ذلك كعِلْمنا بحقيقة هذا ، فالتشبيه في الحقيقة راجع إلى علمنا ، لا إلى علمه تعالى حتّى يلزم من كون المشبّه غير المشبّه به تعدُّدهما ، وبعد ثبوت تعدّدهما حدوثُ العلم بعد الخلق ؛ لدلالة البعديّة على تقدّم الخلق عليه ، فلا يكون كلّ علمه قديما .
بابٌ آخر [وهو من الباب الأوّل إلاّ أنّ فيه زيادة]
في حديث محمّد بن مسلم ۲
(قال : قلتُ : يَزْعُمونَ أنّه بَصيرٌ على ما يَعقِلونَه) .
أي يقولون : إنّ رؤيته الأشياء كتعقّلهم إيّاها ، أي على هذا الوجه . فأجاب عليه السلام بأنّه إنّما يعقل الأشياء هذا التعقُّلَ ما كان بصفة المخلوق ، أي من كان له قوّة عاقلة حالّة فيه ، واللّه تعالى صفاته عين ذاته ، فهو ليس كذلك . ف «يعقل» مبنيّ للفاعل ، و«ما» فاعله ، وإنّما عدل عن «مَن» إلى «ما» لأنّ من كان يعقل هذا التعقّل المحتاج إلى آلة تتغيّر بالقوّة والضعف ،
والحدوث والزوال كأنّه ممّن لا يعقل ، واللّه تعالى مُنزّهٌ عن ذلك .
ويحتمل أن يكون معنى «بصير على ما يعقلونه» أنّه بصير على طريق ما يعقلونه ويصلحونه من معنى البصر ، فيكون معنى جواب الإمام أنّه لو كان كذلك ، لزم منه أن يكون بصره متعقّلاً ، ولا يعقل إلاّ ما كان بصفة المخلوق ، فيلزم التشبيه أو اتّصافه بصفة حادثة ، أي كون بصره حادثا ، واللّه تعالى منزّهٌ عن ذلك . وعلى هذا ف «يعقل» مبنيّ للمفعول ؛ واللّه أعلم .