597
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
596

في حديث عليّ بن محمّد ، المُرسَل ۱

قوله عليه السلام : (والقِدَمُ صِفَتُه ...) .
أي إنّ من صفات اللّه تعالى القِدَمَ ، واتّصافه بهذه الصفة (دَلَّتِ۲العاقلَ على أنّه لا شيءَ قبلَه ، ولا شيءَ معه في ديمومته۳) لما سيذكره من الدليل .
قوله عليه السلام : (فقد بانَ لنا بإقرار العامّة معجزةَ الصفةِ ...) .
معجزة الشيء مؤخِّره ، أي قد بان لنا بإقرار العامّة أنّه تعالى قديم مؤخِّر هذه الصفة ، وهو أنّه لاشيء قبل اللّه ولا شيء مع اللّه في بقائه ، أي إنّها لا ابتداء لها ولا انتهاء .
قوله عليه السلام : (وبَطَلَ) أي بطل من إقرارهم بأنّه تعالى قديم ، (قولُ من زَعَمَ أنّه كانَ قبلَه ، أو كانَ معه شيءٌ) .
يدلّ على جميع ما ذكر قوله : (وذلك أنّه لوكانَ معه شيءٌ في بقائه ...) .
فظهر من هذا الدليل أنّ جميع الأشياء مخلوقة وحادثة خَلَقَها اللّه تعالى ؛ فلهذا قال : (ثمّ وَصَفَ تبارك وتعالى نفسَه۴بأسماء) ، أي بعد خلقهم وصف نفسه بهذه
الأسماء ، ودعا الخلق إلى دعائه بها ، وذلك لأنّه خلقهم وتعبّدهم ، وفي الخلق إظهار عظمة للمخلوق يستحقّ بها الخالق التعظيمَ منه ، والتعظيم محتاج إلى الاسم ، ولأنّه أوّل محتاج إليه .
وَرَدَ في الحديث أنّ أوّل ما خلق من الأسماء العليّ العظيم ۵ ؛ لأنّ التعبّد والابتلاء كان بعده ، ثمّ بعد ذلك تعبّدهم وابتلاهم ، فوجبت العبادة والشكر ، ولا يتمّان إلاّ بالأسماء ؛ فهذه الأشياء هي الغاية لخلقها .
وفي هذا الكلام الشريف دلالة لا تخفى على أنّ الحادث هو الأسماء ، لا المعاني .
قوله عليه السلام : (والدليلُ على ذلك) أي الدليل على جمع الاسم الواحد معنيين (قولُ الناسِ الجائزُ عندهم الشائع) ، فإنّهم كثيرا مّا يستعملون اسما واحدا في معانٍ مختلفة ، ولا منكر لمثل هذا . والذي خاطب اللّه به الخلق هو هذا المستعمَل الشائع عندهم ، فليس يكلّمهم بأنّه سميع وبصير ، وإرادة غير سمعهم وبصرهم أمرا غريبا لا يعرفونه ولا يعقلونه حتّى لا يكون له عليهم حجّة في تضييع ما ضيّعوا ، بل الحجّة ثابتة عليهم .
ثمّ أوضح عليه السلام قوله : إنّ الاسم الواحد يجمع معنيين ، بقوله : (فقد يُقالُ للرجل : كَلْبٌ وحِمارٌ وثَوْرٌ ، و ...) .
ولمّا بيّن عليه السلام : أنّ معاني أسمائه تعالى غير معاني أسمائنا ، وأنّ الاشتراك واقع في اللفظ لا في المعنى ، أخذ عليه السلام في بيان معانيها ، فقال عليه السلام : (وإنّما سُمِّيَ۶بالعلم بغير عِلْمٍ حادثٍ ...) .
قوله عليه السلام : (وسُمِّيَ رَبُّنا سَميعا لا بِخَرْتٍ فيه) .
في القاموس : الخَرْت ـ ويضمّ ـ : الثقب في الأُذن وغيرها ۷ . أي ليس معنى كون اللّه سميعا أنّ سمعه كسمعنا في كونه بخَرْت يُسمع به ولا يُبصر به ، ولكنّه أخبر
بتسمية نفسه سميعا (أنّه لا يَخْفى عليه شيء [من الأصوات] ) .
وفي هذا الكلام الشريف دليل على عدم كونه سميعا بخَرْتٍ ؛ وذلك لأنّ من يقول بأنّه سميع بخَرْتٍ يقول : إنّ السمع محمول على المعنى المعروف [عندهم] وهو السماع بخَرْت لا يبصر به . وكذا يحمل البصر على هذا المعنى وهو كونه بخَرْت لا يسمع به ، فيلزم التعدّد ، وهم قائلون بأنّه واحد من جميع الجهات ، واللازم باطل فالملزوم ـ وهو كونه يسمع بخَرْت ـ مثله .
وقوله عليه السلام : (ولكنَّ اللّه َ بَصيرٌ لا يَحتَمِلُ شخصا منظورا إليه) .
يحتمل أن يكون الأصل «لا يجهل» فوقع تحريف من النسّاخ ؛ وذلك لأنّه لوكان بصره كبصرنا لزم أن يكون جاهلاً بعضَ الأشخاص لاستتارها ، ولأنّه تعالى علمه بالنسبة إلى جميع الأشياء على السويّة .
وعلى ماهنا ، فالمعنى أنّه لوكان يبصر بخَرت ، لكان شخصا منظورا إليه ؛ وكونه مرئيّا منظورا إليه أمرٌ غير محتمل ؛ لما بيِّن وبُرهن عليه في الأحاديث السابقة في باب إبطال الرؤية .
والحاصل : أنّه لوكان مرئيّا منظورا إليه لكان شخصا ، ولجاز حمل الشخص عليه بأن يقال : إنّه شخص ، وهو لا يحتمل شخصا حتّى يحمل الشخص عليه ، و«حمل» و«احتمل» معناهما واحد .
قوله عليه السلام : (وهو قائمٌ ليس على معنى انتصابٍ وقيامٍ على ساقٍ في كَبَدٍ كما قامَتِ الأشياءُ ...) .
في القاموس : الكبد ككتف : الجوف بكماله . وفيه ـ بعد قوله : «وبالتحريك»ـ : «وسط الرمل ووسط السماء» . ۸
فالمعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّه تعالى ليس قائما في جوف شيء كقيام الأشياء
ـ كالأرض والسماء وما فيهما ـ في جوف الهواء ، وهو في جوف الفلك ، وهكذا ؛ بل أخبر بوصف نفسه بهذه الصفة (أنّه حافظٌ ، كقول الرجل : القائمُ بأمرِنا فلانٌ) ، أي الحافظ الضابط لأموالنا ، أولها ولأنفسنا .
قوله عليه السلام : (وأمّا اللطيفُ ...) .
بيّن عليه السلام أنّ لطفه تعالى ليس محمولاً على معنى القلّة والقضافة وهي النحافة ، أي الهزال وقلّة اللحم ، كما تستعمل هذه المعاني في المخلوقات ، بل هو محمول على معناها ۹ الآخر وهو «النفاذ في الأشياء» ، أي نفاذ علمه وقدرته (والامتناعِ من أن يُدْرَكَ) ؛ لأنّ اللطافة تطلق في الأشياء على الذي لا يمكن إدراكه ، كما يطلق على القليل القضيف .
واستدلّ عليه السلام على استعمالها في المعنيين الأوّلين بقوله : (كقولِك للرجلِ) ، أي إنّه يصحّ أن تقول للرجل : (لَطُفَ عنّي هذا الأمرُ ، ولَطُفَ فلانٌ في مذهبِه) ، ولا نعني به إلاّ الخفاء والامتناع من الإدراك ونفاذ الوهم فيه .
ثمّ مثّل عليه السلام بمثال آخر ، وهو قوله عليه السلام : (وقوله يُخْبِرُك أنّه غَمَضَ فيه العقلُ) أي وكقول الرجل حال كونه يخبرك أنّه غمض فيه العقل ، أي إنّ الأمر غمض فيه العقل ولم يدرك (وفاتَ الطلبُ) أي لم يبق مجال لطلبه وتحصيله لظهور خفائه .
(وعادَ مُتَعَمِّقا مُتَلَطِّفا لا يُدرِكُه الوهمُ) أي صار الأمر المطلوب عميقا لا يمكن الوصول إلى قَعْره ، وهو كناية عن البعد عن الأفهام والأوهام ، فاستعمال مثل هذا دليل صريح على استعمال اللطيف في غير القليل والقضيف والصغير .
و«إنّ» في قوله : «إنّه غمض فيه» مكسورة ؛ لأنّها مقولة القول ۱۰ . [ ...] . ۱۱
قوله عليه السلام : (عن أن يُدْرَكَ) متعلّقٌ ب «تبارك وتعالى» وليس «لطف» فعلاً وإلاّ فبه وإن جاز غيره على الوجهين .
ولمّا دلَّ ظاهر هذا الكلام على أنّ الحدّ ممكن لكنّ الإدراك ممتنع ، نفاه عليه السلام بقوله : (أو يُحَدَّ بِوَصْفٍ) ، أي لا يتوهّم عليك أنّه يمكن حدّه ولكن يمتنع إدراكه بالحدّ ، بل حدّه بالوصف ممتنع ؛ لأنّ الحدّ لازمه الإدراك .
ثمّ بيّن عليه السلام أنّ اللطافة بمعنى الصغر والقلّة مخصوصة بنا ، لا تتجاوزنا إلى الخالق ، فقال : (واللطافَةُ منّا الصِّغَرُ والقِلَّةُ) .
فإن قيل : هذا يدلّ على أنّ اللطافة منّا مخصوصة بهذا المعنى ، وقد مثّل عليه السلام لاستعمالها في غيره .
قلنا : الأمر كذلك ، وقوله عليه السلام يدلّ على جواز استعمال تلك المعاني في المعاني ، لا فينا ، فلا يقال : لطف زيد ، بمعنى امتنع من أن يدرك ويحدّ .
قوله عليه السلام : (أمّا الخبيرُ ، فهو الذي۱۲لا يَعْزُبُ عنه شيءٌ ولا يَفُوتُه) أي لا يبعد عن علمه .
قوله عليه السلام : (ليس للتجربةِ ولا للاعتبار) أي ليس تعلّق عِلْمه بجميع الأشياء لكثرة تجربتها واعتبارها .
ثمّ استدلّ عليه السلام على عدم كونه [ ...] ۱۳ بقوله (فعند التجربة والاعتبار علمان ، ولولاهما ما علم) ، أي إنّه [ ...] من التجربة والاعتبار معقول [ ...] لا يتعقّل إلاّ بتعقّل شيئين قبله ؛ وذلك لأنّه لابدّ من العلم بالمجرّب أوّلاً ، ثمّ العلم بأنّ الآخر مثله ومشابها له حتّى يحصل علما ثالثا بالآخر ، ولولا العلمين ۱۴ لم يحصل الثالث ، فهما
علّة لحصوله ، فالعلم الحاصل من التجربة حادث ، [و ]فعله تعالى ليس منها ؛ لقدمه ، وقد برهن عليه .
فتركيب العبارة هكذا : فالعلم الحاصل عند التجربة والاعتبار علمان ، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه ، وحذفت لدلالة الظرف عليها ؛ لافتقاره إلى عامل شائع الحذف ، فالجملة جواب شرط محذوف مع فعله ، تقديره : إذا علمت هذا فالعلم ... .
وقوله عليه السلام : (لأنَّ مَن كانَ كذلك ...) تعليلٌ لكون علمه تعالى ليس للتجربة ، أي من كان علمه حاصلاً من التجربة كان جاهلاً ، أي صحّ اتّصافه بالجهل [ ...] لأنّك قد علمت أنّ مثل [ ...] تعالى لم يزل خبيرا ، أي هذه الصفة له تعالى قديمة لم تنفكّ عنه في وقت من الأوقات .
ثمّ بيّن عليه السلام معنى الخبير من الناس ليعلم التنافي بين الصفتين ، وأنّ لكلّ واحدة منهما معنى ، إنّما الاشتراك واقع في اللفظ ، فقال : (وأمّا۱۵الخبيرُ من الناسِ ...) .
قوله عليه السلام : (ولكنْ ذلك منه على اسْتِبْطانِه للأشياء عِلْما وحِفْظا وتَدبيرا) .
البطانة ـ بالكسرـ : السريرة ، ومن الثوب خلاف ظهارته . فالمعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ تسميته باطنا لإحاطة علمه وحفظه وتدبيره بطانة لكلّ شيء ، (كقولِ القائل : أبْطَنْتُه ، يعني خَبَّرْتُه) وصار لي اطّلاع على أكثر أحواله (وعَلِمْتُ مَكتومَ سِرِّه) ، أي سرّه الذي يكتمه عن أكثر الناس ، وإلاّ فالمكتوم مطلقا بجميع الوجوه لا يعلمه سوى اللّه .
ولمّا بيّن عليه السلام معنى صفته تعالى ، أشار إلى معنى الباطن منّا ليبيّن أنّ الاشتراك واقع في اللفظ دون المعنى ، فقال : (والباطنَ منّا الغائبُ ...) .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۲۰ـ ۱۲۳ ، ح۲ .

2.كذا ، والصحيح : «دلّ» وفي الكافي : «والقدم صفته التي دلّت» .

3.في الكافي المطبوع : «ديموميّته» .

4.في الكافي المطبوع : «ثمّ وصف نفسه تبارك وتعالى» .

5.الكافي ، ج۱ ، ص۱۱۳ ، باب حدوث الأسماء ، ح۲ .

6.في الكافي المطبوع : + «اللّه تعالى» .

7.القاموس المحيط ، ج۱ ، ص۱۴۷ (خرت) .

8.القاموس المحيط ، ج۱ ، ص۳۳۲ (كبد) .

9.كذا ، والصحيح : «معناه» والتأويل باللطافة يقتضي أن يقول : «بل هي محمولة» .

10.بناءً على عدم قوله : «يخبرك» أو عدم مفعوله الثاني وقراءة «قوله» مرفوعا أو مجرورا عطفا على «قولك للرجل» واللّه تعالى هو العالم بالمراد .

11.في نسخة الأصل بقدر سطرين لا يمكن قراءته .

12.في الكافي المطبوع : «فالذي» .

13.ما بين المعقوفين في هذا الموضع وفيما بعد كلمات مشوّشه لا تقرأ .

14.كذا ، والصحيح : «العلمان» .

15.في الكافي المطبوع : - «أمّا» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 87530
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي