631
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
630

في حديث فَتح بن عبداللّه ۱

قوله عليه السلام : (وكذلك يُوصَفُ رَبُّنا) .
أي حدّه تعالى غير ممكن ، لكن من أراد وصفه فله أن يصفه كذلك ، والإشارة إلى قوله عليه السلام : (عالم إذ لا معلوم ...) .
ثمّ لمّا كان هذا الكلام يوهم في بادئ الرأي أنّ وصفه تعالى مطلقا منحصر في مثل هذا ، قال عليه السلام : (وفوقَ ما يَصِفُه الواصِفونَ) .

في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام ۲

(الذي لم يَلِدْ فيكونَ۳مُشارَكا) .
يحتمل كون «مشارك» اسمَ مفعول؛ لأنّ عزّ الآباء عزّ الأبناء؛ أو اسمَ فاعل، أي فيكون مشاركا لخلقه في عزّهم المخصوص لهم ؛ لأنّ العزّ عندهم بالمال والبنون .
قوله عليه السلام : (ولم يُولَدْ ...) .
وذلك لأنّ من يولد حادث ، والحادث لابدّ له من التغيّر والزوال .
قوله عليه السلام : (ولم تَقَعْ عليه الأوهامُ ، فتُقَدِّرَهُ شَبَحا ماثِلاً) .
أي ذا مثال ، أي مقدار ؛ أو ذو ۴ مثل . وفيه ـ بقرينة الفاء ـ دلالة على أنّ كلّ ما يقع عليه الوهم لابدّ وأن يكون شبحا ذا مقدار . ۵
قوله عليه السلام : (ولم تُدْرِكْهُ الأبْصارُ ، فيكونَ بعد انتقالِها حائلاً) .
الحائل : المتغيّر . والحاصل : أنّه قد تقرّر أنّ صفات الذات لازمة لا يجوز سلبها في بعض الأوقات وإثباتها في آخَرَ ؛ للزوم التغيّر ، وثبت بالدليل أنّ الواجب تعالى لا يجوز
عليه التغيّر ، وقد استدلّ على أنّه تعالى «لم تدركه الأبصار» بما حاصله أنّ مايدركه البصر يكون مدركا حالَ إداركها ، غيرَ مدرك حالَ انتقالها منه إلى شيء آخر ، فيكون موصوفا بالإدراك وعدمه ، ولا يجوز اتّصافه تعالى بمثل هذه الصفة لما تقرّر .
قوله عليه السلام : (الذي بَطَنَ عن خَفيّاتِ الأُمورِ ، فظَهَرَ۶في العقول۷) .
أي الذي علم بالأشياء الباطنة من الأُمور الخفيّة التي لم تتعقّل حتّى تعدّ في المعقولات ، وعلم بالأشياء الظاهرة التي تعدّ في المعقولات وإن كان بالنسبة إلى بعض المخلوقات ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه معقول .
ثمّ بيّن عليه السلام سبب علمنا بأنّ علمه تعالى شمل الباطن والظاهر بقوله : (بما يُرى في خَلْقِه من علاماتِ التدبيرِ) فهذا دالّ على المطلوب .
قوله عليه السلام : (فلم تَصِفْه بِحَدٍّ ولا بنَقْصٍ۸، بل وَصَفَتْه ...) .
أي إنّ حدّه لا يعلمه أحد سواه تعالى حتّى الأنبياء ، فلهذا لم يصفوه به ، وأيضا لم يصفوه بصفة نقص ؛ لأنّ له الأسماء الحسنى «بل وَصَفَتْه بِفعالِهِ» ولا شكّ في حسن جميعها ويدلّ عليه أيضا نفي وصفه بالنقص وإثبات وصفه بالفعال .
قوله عليه السلام : (ودَلَّتْ عليه بآياته) .
لا يخفى أنّ المراد الآيات والعلامات التي خلقها ليستدلّ بها العبادُ على وحدانيّته وعلمه وقدرته ؛ لأنّه تعالى ليس له آية وعلامة كما للمخلوقات .
قوله عليه السلام : (لا تَستطيعُ عقولُ المفكّرين۹جَحْدَه) .
الظاهر ـ واللّه أعلم ـ أنّ المراد : لا تستطيع عقول المفكّرين إنكارَ قدرته ؛ بقرينة قوله عليه السلام : (فلا مَدْفَعَ لقُدرتِهِ) فيكون من باب ذكر الملزوم وإرادة اللازم .
قوله عليه السلام : (الذي نَأى من الخَلْقِ) .
أي الذي بَعُدَ وتَنَزَّهَ عن مشابهة الخَلْق ، وإذا كان كذلك فلا شيء كمثله .
قوله عليه السلام : (وأقْدَرَهُم على طاعَتِه بما جعَل فيهم) من العقل الذي هو أعظم معين ، وغيره من القوى البدنيّة والماليّة .
ثمّ لمّا أراد عليه السلام بيان عدم إمكان معرفته بغير ما وصف به نفسه وكان ذلك يحصل إمّا بالحدّ أو بمعرفة المثل ـ سواء كانت بالحدّ أو بالرسم أو بالمشاهدة ـ نفى عنه الحدّ والمثل ، فقال : (ليس له حَدٌّ ينْتَهى إليه۱۰حَدّه ...) .
والحدّ في الأصل الحاجز بين شيئين ، وإنّما سمّي التعريف بالذاتيّات حدّا لمنعه عن دخول الغير فيه ، والحدّ : المنع ، أي ليس له حدّ من الحدود المعروفة التي يمكن تصوّرها المشتملة على جميع ذاتيّات الشيء المانعة بصدقها دخول الغيرفيه .
قوله : «ينتهي إليه حدّه» ، أي منع ذلك الحدّ .
فإن قيل : هذا الكلام إنّما يدلّ على نفي الحدّ الموصوف بكونه ينتهي إليه منعه ، لا نفي الحدّ مطلقا .
فالجواب : أنّ الحدّ إذا لم يكن كذلك فليس بحدّ .
فإن قيل : فحينئذٍ ما الفائدة في وصفه بهذه الصفة إذا كان كذلك ؟
قلنا : الفائدة دفع توهّم كونه مجازا في الوصف مطلقا ، أو للتنبيه على دليل نفي الحدّ عنه .
قوله عليه السلام : (ذَلَّ مَنْ تَجَبَّرَ غيره) .
«غير» مرفوع على البدليّة من الموصول ، وإنّما أتى بالفعل بصيغة الماضي لإفادة تحقّق وقوعه ، فكأنّه واقع ، أي إنّ كلّ جبّار لابدّ له من أن يذلّ سواه تعالى .
قوله عليه السلام : (أتْقَنَ ما أرادَ مِنْ خَلْقِه ...) بيانٌ للحكيم العليم ، فقوله : (من الأشْباحِ كُلِّها) بدل من قوله : «من خلقه» ، وإنّما أتى به للدلالة على أنّه تعالى خالق جميع الأشياء .
والشَبَحَ ـ محرّكاـ : الشخص . القاموس . ۱۱
قوله عليه السلام : (ولا لُغُوبٍ ...) .
«اللغوب» ـ بضمّ اللام وفتحهاـ : الإعياء ، أي ليس خلقه الخلق منه لاحتياج إليهم عند خلقهم ، فالظرف متعلّق ب «دخل» ، والضمير عائد إلى «الخلق» .
ولمّا بيّن أنّ الأشياء المخلوقة لم تكن مسبوقة بمثال ، وأنّه تعالى لم يكن محتاجا ، أراد أن يبيّن أنّه تعالى خلَقها وأنشأها على وفق ماشاء وأراد ، وأنّ العلّة الغائيّة راجعة إليهم ، فقال : (ابْتَدَأَ ما أرادَ ابتداءَه ...) .
فقوله عليه السلام : (لِيَعْرِفوا بذلك ربوبيّتَه ، وتَمَكَّنَ) أي تتمكّن ۱۲
(فيهم طاعَتُه) أي إنّما خلقها لطاعته حتّى يستحقّوا الثواب الجزيل ، وجعل خلقهم دليل معرفته ، أي جعل في خلقهم دلائل تدلّ على معرفته ؛ وذلك لأنّ الحكيم لابدّ وأن تكون أفعاله محكمة متقنة ، وخلقهم للطاعة والعبادة يقتضي أن يعرّفهم نفسه ، فجعل خلقهم الذي هو سبب لإيصال النفع إليهم دليلاً على معرفته التي لا يحصل النفع إلاّ بها ، فالطاعة علّة غائيّة لمعرفة الربوبيّة ، وهي علّة غائيّة للخلق ، فالطاعة علّة للخلق ؛ لأنّ علّة علّة الشيء علّةٌ للشيء .
قوله عليه السلام : (فَأنْجِعوا بما يَحِقُّ عليكم من السمعِ والطاعةِ ...) .
أي إذا علمتم ذلك فأفلحوا وفوزوا بفعل ما يحقّ ويجب عليكم فعله من السمع
والطاعة ، أي من سماع ما يصل إليكم والعمل به ، و (إخلاصِ النصيحة) لمن استنصحكم في أمر الدين والدنيا ، (وحُسْنِ المؤازَرَةِ) ، أي وتحسين حمل بعضكم ثقل الآخر ، وإعانته بما يستصوبه من الرأي .
(وأعِينوا على أنْفُسِكم) .
أي على نجاتها بلزوم الطريقة المستقيمة التي أمر اللّه تعالى باتّباعها ، وهي طريقة الفرقة الناجية الاثني عشريّة ، وهجر الأُمور المكروهة التي نهى اللّه ورسوله عنها .
(وتَعاطَوُا الحقَّ بينَكم ، وتعاوَنوا به دوني) .
أي وأعينوني على دفع ما تكرهونه بتعاطي الحقّ ، ولا تكلوا أمره إليّ .
(وخُذُوا على يَدِ الظالمِ السفيهِ) .
أي وامنعوا السفيه عن تلف أمواله ، فالسفيه بدل من الظالم ؛ لأنّه ينصرف في أمواله بغير الحقّ ، فيظلمها ويظلم نفسه .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۴۰ ، ح۶ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۱۴۱ ، ح۷ .

3.في الكافي المطبوع وكثير من نسخه : + «في العزّ» .

4.كذا ، والصحيح : «ذا» .

5.فانتفى وجودٌ مجرّد عن جميع العوارض سواه تعالى (منه) .

6.كذا في قليل من نسخ الكافي و الوافي ، ج۱ ، ص۴۳۹ . وفي كثير من نسخ الكافي والمطبوع : «وظهر» .

7.كذا في كثير من نسخ الكافي والمطبوع ، وفي بعض نسخ الكافي والوافي ، ج۱ ، ص۴۳۹ : «المعقول» .

8.كذا في التوحيد للصدوق ، ص۳۱ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح۱ . وفي الكافي المطبوع وكثير من نسخه : «ببعضٍ» . واختار النائيني في حاشيته : «بنغض» وقال : «النغض : الحركة ، فإنّه سبحانه لا يتحدّد بحدّ ، ولا ينتقل من حال إلى حال ، فلا يصحّ وصفه بشيء منها» . الحاشية على أُصول الكافي ، ص۴۶۳ .

9.في الكافي المطبوع : «المتفكّرين» .

10.في الكافي المطبوع : «إلى» .

11.القاموس المحيط ، ج۱ ، ص۲۳۰ (شبح) .

12.أي حذفت إحدى التاءين .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 88952
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي