663
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

باب الاستطاعة

في حديث عليّ بن أسباط ۱

قوله عليه السلام : (يَستَطيعُ العبدُ بعد أربعِ خِصالٍ ...) .
لمّا سأله السائل عن الاستطاعة ، أي عن أنّ العبد هل له استطاعة ؟ أجابه عليه السلام بما حاصله أنّ استطاعته موقوفة على أربع خصال ، أي لابدّ وأن يكون تلك الأربعة موجَدة ومحقَّقة حتّى يستطيع ، فاستطاعته ليست استطاعة تامّة ؛ لأنّ أسبابها ليست من فعله .
ثمّ لمّا كان قوله عليه السلام : (لسبب وارد) ـ وفي بعض النسخ : «بسبب وإرادة» ـ معناه خفيّا ، سأله السائل تفسيرَه ، فقال عليه السلام : (أن يكونَ العبدُ مُخلَّى السَّرْبِ) أي غير ممنوع ومحجوبٍ عليه . والسرب : الطريق .
(صحيحَ الجسمِ ، سليمَ الجوارح ، يُريدُ أنْ يَزْنِيَ ، فلا يَجِدُ امرأةً) فحينئذٍ ليس له شيء من الاستطاعة ، (ثمّ يَجِدُها ، فإمّا أن يعصمَ) ، بالبناء للمفعول ، أي فإمّا أن يعصمه اللّه .وإنّما حذف الفاعل ؛ لكونه معلوما ، (فيَمْتَنِعَ) ، أي فتكون العصمة سببا لامتناعه من الزنى ، (كما امْتَنَعَ يوسفُ عليه السلام ) ، وهذا التشبيه للامتناع الذي سببه العصمة ، لا لتشبيه قصّة يوسف عليه السلام بأصل المثال ؛ لأنّه معصوم لم يُرِد الزنى (أو يُخَلِّيَ
بينه وبين إرادته فيَزْني)
فمن أسباب الزنى حينئذٍ عدم العصمة ، وهو سبب وارد من اللّه ، وأيضا هو إرادة من اللّه بالمعنى الأخصّ ؛ لأنّ عدم إرادة العصمة إرادة ؛ لعدم العصمة التي هي من أسباب الزنى .
وفي قوله عليه السلام : (فيسمّى زانيا) تنبيه على أنّ استطاعته ليست استطاعة تامّة ، حتّى يختصّ الفعل به وبإرادته ، فيلزم غلبة إرادته إرادةَ اللّه ، بل لمّا تعلّقت إرادة اللّه بالتخلية بينه وبين إرادته صار مستطيعا ، ففعل فسمّي زانيا ؛ لأنّه في هذا الوقت صار مستطيعا بما هُيّئ له من الأسباب وخلّي بينه وبينها .
ثمّ بيّن عليه السلام أنّ إطاعته اللّه سبحانه حين عصمه ليست بإكراه منه تعالى حتّى لا يستحقّ بها الثواب ، وأنّ عصيانه ومخالفته الأمرَ ليس سببها غلبةَ إراته إرادةَ اللّه ، بل السبب التخلية بينه وبين إرادته ، كما نبّه عليه السلام عليه ، فقال : (ولم يُطِعِ اللّه بإكراهٍ ، ولم يَعْصِهِ بغَلَبَةٍ) .
ولا يخفى أنّ علّة العصمة والهداية ما سبق من العبد من الطاعة ومحبّة عدم المخالفة ؛ لئلاّ يلزم الترجيح من غير مرجّح .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۶۰ ، ح۱ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
662

في حديث يونس بن عبدالرحمن ۱

قوله عليه السلام : (نعم ، أوسَعُ ممّا بينَ السماء إلى الأرضِ۲) .
لا شكّ في أنّ كلّ شيء بين الجبر والتفويض الذي هو فعله تعالى لطفٌ ، وألطافه تبارك وتعالى لا تُحصى ، فلهذا كنى عليه السلام عنه بقوله «أوسع ممّا بين السماء إلى الأرض» .
ولا تخفى المناسبة بين السؤال والجواب ؛ لأنّ السائل كنى عنه بالمنزلة وكون الكناية أبلغَ من الصريح ، فلابدّ من كون الجواب به ، ولا ريب في كونه أبلغَ من السؤال ؛ لدلالته على المطلوب وكون ألطافه تعالى لا تحصى ؛ فليتأمّل .

في حديث أحمد بن محمّد بن أبينصر ۳

قوله عليه السلام : (قال اللّه عزّوجلّ ...) .
قد مرّ هذا الكلام الشريف مرويّا عن الرضا عليه السلام أيضا وشَرْحه . ۴

في حديث محمّد بن يحيى ۵

قوله عليه السلام : (مَثَلُ ذلك) أي مَثَل التفويض وعدمه (رجلٌ رأيتَه على معصيةٍ فنهيتَه فلم يَنْتَهِ ، فَتَرَكْتَه ، ففَعَلَ تلك المعصيةَ) ، فلا ريب في أنّك لم تفوّض الأمر إليه ؛ لأنّك نهيته . وأيضا لاريب في أنّك لم تجبره ؛ لأنّ الفرض أنّك تركته ، ولوكنت جبرته كنت منعته وألزمته على عدم الفعل ، (فليس حيثُ لم يَقْبَلْ منك وتركتَه۶كنتَ أنت الذي أمرتَه بالمعصية) ، أي إنّ معصيته كانت بإرادتك ؛ لأنّك لولم تردّها كنت جبرته ، فقد اجتمع
النهي والأمر الذي هو عبارة عن إرادة الفعل ، أعني التخلية بينه وبين فعله ، وهذا لا يسمّى جبرا ولا تفويضا ، فهو الأمر بين أمرين .
وحاصل المعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّه لوكان اللّه تعالى فوّض الأمر إلى العباد ، لم يأمرهم ولم ينههم ، ولا ريب في قبح مثل هذا ، فهو غير لائق بجنابه تعالى ؛ لأنّ الترك وعدم النهي عن المنكر مع القدرة في قوّة الأمر بالمنكر .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۵۹ ، ح۹ .

2.في الكافي المطبوع : «والأرض» بدل «إلى الأرض» .

3.الكافي ، ج۱ ، ص۱۵۹ ، ح۱۲ .

4.راجع شرح الحديث ۶ من باب المشية والإرادة .

5.الكافي ، ج۱ ، ص۱۶۰ ، ح۱۳ .

6.كذا في بعض نسخ الكافي ، وفي اكثر نسخ الكافي والمطبوع : «فتركته» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 88883
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي