في حديث بريد بن معاوية ۱
قوله عليه السلام : (ليس للّه ِ عَزَّ وجَلَّ على خَلْقه أن يَعْرِفوا) .
المعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ اللّه لم يوجب على خلقه المعرفة من دون أن يعرّفهم ويبيّن لهم ، لكن إذا عرّفهم فله عليهم القبول ، فالذي أوجب عليهم هو قبول المعرفة لا المعرفة ، (وللخَلْقِ على اللّه ِ أنْ يُعَرِّفَهُمْ) ويأمر لهم ونهاهم ليحصل لهم معرفة ما يرضيه فيأتون به ، وما لا يرضيه فينتهون عنه .
في حديث حمزة بن الطيّار ۲
(ثمّ أرْسَلَ إليهم رسلاً ...) أي ثمّ أملى عليَّ هذا الكلام وهو «أرسل إليهم رسولاً ...» بعد إملائه «إنّ من قولنا : إنّ اللّه يحتجّ ...» .
وهذا الكلام بيان لما قبله ، أي إنّما يكون المكلّف مكلّفا بعد التعريف بالأمر والنهي الذي أخبرت به الرسل ، وإيتاء القوّة على فعله ، فمع عدم القدرة على المأمور به لا حرج في تركه ، فإنّ الرسول صلى الله عليه و آله نام عن الصلاة ، فقال اللّه تعالى : (أنا أنمتك۳وأنا أُوقظك ، فإذا قُمْتَ فَصَلِّ ليَعْلَموا) ، أي علّة إنامتي إيّاك حصول العلم لهم بأنّه (إذا
أصابهم ذلك كيف يصنعون) ، لا علّة الصلاة ؛ فليتأمّل .
وقوله عليه السلام : (ليس كما يقولون) يحتمل أن يكون من كلامه تعالى ، أو من كلامه عليه السلام فيكون كلاما مستأنفا بيانا لفساد قولهم «إذا نام عنها هلك» ، اللازم من اعتقاد كون النوم فعلاً اختياريّا لدلالة الكلام المتقدّم صريحا على خلافه .
قوله عليه السلام : (ولا أقولُ : إنّهم ما شاؤوا صَنَعوا) .
أي لا أقول : إنّ صنيعهم مقصور على ما شاؤوا ، أي لا أعنى بقولي : «لم تجد أحدا في ضيق» أن ما يصنعه منحصر في مشيئته ، بل لابدّ وأن يكون للّه المشيئة فيه أيضا ، ف «ما» موصول مفعول «صنعوا» مقدّم عليه ، فلهذا أفاد الحصر ؛ لأنّه تقديم ما حقّه التأخير .
ثمّ لمّا بيّن أنّه ليس أحد منهم في ضيق ، وبيّن أنّه ليس المراد به الانحصارَ في مشيئتهم ، أوهم أنّ الأمر مفوّض إليهم ، فقال : (إنّ اللّه َ يَهدي ويُضلُّ) أي إنّ اللّه تعالى لم يفوّض الأمر إليهم مطلقا ، بل يهدي من أحبّه إلى مايحبّ والداعي فعل العبد ، ويضلّ من أبغضه ، أي يمنعه الهداية ، وكفى بها ضلالاً مع طغيان الإنسان ومعاداة الشيطان .
ثمّ نبّه عليه السلام على أنّهم لم يؤمروا بشيء إلاّ وهم قادرون على ما هو أشقّ منه ، فقال : (وما أُمِروا إلاّ بدون سَعَتِهم) .
ثمّ لمّا كانت الأوامر عامّة جميع الناس ، وكان ربّما يمكن أن يقال : إنّ الجميع ليسوا قادرين على الجميع ، نَبَّهَ عليه السلام على أنّ المعنى أنّها عامّة جميع من يقدر على الإتيان بها ، لا مطلقا ، فالعاجز غير مأمور في حال عجزه وإنّ الناس لا خير فيهم ، أي لا علم لهم بما قال اللّه تعالى ، فلهذا يذهب عليهم [ ...] هذه الأشياء .
ثمّ تلا عليه السلام قوله تعالى : « لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ »۴ ، ثمّ أخبر أنّ الأمر موضوع عن هؤلاء ، وليس شاملاً لهم ، فهو تعالى لم يأمر إلاّ القادر على القيام بما أُمر به .