89
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.وهاديا نيّرا ، وإماما قيّما ، يهدون بالحقّ وبه يعدلون . حُجَجُ اللّه ودُعاتُه ورُعاتُه على خَلْقه ، يدين بهَدْيِهم العبادُ ، وتَستهلُّ بنورهم البلادُ .

قوله : (حُجَجُ اللّه ِ ودُعاتُه) أي هم حجج اللّه على الاستيناف ، وهو أبلغ من غيره الذين يحتجّ بهم على الخلق بأنّه أقامهم ونصبهم ليدلّوهم على ما فيه صلاحهم ونجاتهم ، فمن لم يتبعهم لزمته الحجّة بذلك .
قوله : (ورُعاتُه على خَلْقِه) .
«الرعاة» ـ بالضمّ ـ جمعُ راع ، كالرعاء بالكسر . والإتيان ب «على» لبيان استعلائهم على الخلق وشرفهم عليهم ، وأنّه يجب عليهم الانقياد إليهم كانقياد الغنم ونحوها إلى الراعي ، فمن خرج عن رعايتهم ، كان أكيل النار ، كما أنّ الخارج عن رعاية راعي الحيوانات يكون أكيل السبع أو هالكاً .
قوله : (يَدينُ بهُداهم۱العبادُ) أي يعبدون اللّه ، أو يأتون بما تعبّدهم به ، أو يتورّعون ، أو يخدمونه ، أو ينقادون إليه ويطيعونه ، أو يذلّون أنفسهم في طاعته ، أو يعتادون فعل الخير بسبب هداهم . وهذه كلّها معاني «يدين» .
قوله : (وتَستَهِلُّ بنورِهم البلادُ) .
كأنّه أراد به ۲ : يستضيء بنور وجودهم وهداهم أهل البلاد ، أو تضيء وتتلألأ به من ظلمات الجهل ؛ فيكون السالك فيها ذا نور يقدر أن يسلك به الطريق المستقيم ، ومَن ضَلَّ فإنّما يضلّ على نفسه ۳ ، « وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا »۴ .
وفي القاموس : هَلَّ المطرُ : اشْتَدَّ انصِبابُه ، كانْهَلَّ ، واسْتَهَلَّ الصبيُّ : رَفَعَ صوتَه بالبكاء ، وكذا كلّ متكلّمٍ رفع صوتَه . ۵
وفي الصحاح : تَهَلَّلَ وجهُ الرجل من فَرَحِه ، واستهلّ . وتَهَلَّلَ السحاب ببرقه : تَلَأْلَأَ . ۶
ويمكن أن يكون المراد به استهلال المطر ، بمعنى أنّ البلاد تمطر وتخضب بنورهم .
وذكر النور بدلاً عن البرق الذي قد يكون صادقا وقد يكون خُلَّبا ، بخلاف النور فإنّ نورهم عليهم السلام الذي يستمطر به لا يكون إلاّ صادقا ؛ أو يقال : استعار استهلال المطر للخير والبركة ونحوهما الحاصلة من نور وجودهم وهداهم .
ويمكن أن يكون المراد استهلال وجوه أهل البلاد، أي إشراقها وتلألؤها بنورهم، وهو كناية عمّا يحصل بسببهم من الإيمان وحصول نوره في وجوههم ، وحذف أكثر من مضاف موجود في القرآن وغيره ، كقوله تعالى : « فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ »۷ . قيل : أصله من أثر حافر فرس الرسول ۸ . ومآل هذه الأوجه متقارب .

1.في الكافي المطبوع وبعض نسخ الكافي : «بهَدْيِهِم» .

2.في «د» : - «به» .

3.اقتباس من الآية ۱۰۸ من سورة يونس (۱۰) والآية ۱۵ من سورة الإسراء (۱۷) : « فَمَنِ اهْتَدى فَإنّما يَهْتَدِي لِنَفْسِه ومَنْ ضَلَّ فإنّما يَضِلُّ عَلَيْها » .

4.الأنعام (۶) : ۱۰۴ .

5.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۷۰ (هلل) .

6.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۸۵۱ (هلل) .

7.طه (۲۰) : ۹۶ .

8.حاشية ردّ المختار ، لابن عابدين ، ج ۶ ، ص ۶۸۰ ؛ نيل الأوطار ، للشوكاني ، ج ۳ ، ص ۳۶۱ ؛ عون المعبود ، للعظيم آبادي ، ج ۳ ، ص ۳۴۲ ؛ البرهان ، للزركشي ، ج ۳ ، ص ۱۵۳ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
88

۰.وفتحَ بهم عن باطن ينابيع عِلْمه ، وجعلهم مسالكَ لمعرفته ، ومعالمَ لدينه ، وحُجّابا بينه وبين خلقه ؛ والبابَ المؤدّي إلى معرفة حقّه ، وأطْلَعَهم على المكنون من غَيب سِرّه .
كلَّما مضى منهم إمامٌ ، نَصَبَ لخَلْقه من عقبه إماما بيّنا ، .........

قوله : (وفَتَحَ بهم عن باطنِ يَنابيعِ علمِه) أي جعلهم مفاتيح العلم الذي كان مستورا ؛ وقد يكون علم اللّه له ظاهر وباطن ، واللّه سبحانه فتح بهم عن الباطن ، فالظاهر أولى . أو أنّ الظاهر علمه اللّه تعالى غيرهم من الأنبياء والأوصياء ، وكشف لهم عن الباطن غير ما استأثر به وفَتَحَه لهم .
وفي الكلام استعارةٌ .
قوله : (وجَعَلَهم مَسالِكَ لمعرفتِه) أي طرقاً موصلة إليها ، أو طرقاً كائنة لها .
قوله : (وحُجّابا بينَه وبينَ خَلْقِه) .
يحتمل أن يكون «حجّاب» مشدّداً جمع حاجب ، كعمّال وعامل . والمعنى حينئذٍ : أنّهم هم الذين يوصلون إلى الخلق ما اُمروا به ، كما أنّ الحاجب يوصل إلى مَن له حاجة من المحجوب حاجته ؛ أو أنّهم حجّابٌ للخلق عن أن ينسبوا إلى اللّه سبحانه مالا يليق به ، ويصفوه بما لا يوصف به ، فهم حجّاب لمن احتجب بهم .
ويحتمل أن يكون مخفّفا . والمعنى حينئذٍ : أنّ اللّه سبحانه جعلهم حجاباً ، أي سِتْرا وحاجزا بين خلقه وعذا به ؛ فهم حجّاب لمن احتجب بهم وتمسَّكَ بحبلهم عن دخول النار وحلول العذاب . وهو نظير قوله عليه السلام : «أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ بك منك» . ۱
قوله : (نَصَبَ لخَلْقِه من عَقِبِه إماما بَيِّنا ، وهادِيا نَيِّرا ، وإماما قَيِّما) .
«الإمام» لغةً الذي يقتدى به ويؤتمّ به من رئيس أو غيره ، والطريق . وقيّم الأمر : المصلح له ، فالإمام الأوّل مَن يقتدى به ويؤتمّ ۲ ، والثاني القيّم ، أو الطريق إلى ما يوصل إلى المطلوب من الحقّ ۳ .
«وقيّماً» على الأوّل تفسير ، وذكر الإمام ليبنى عليه ويوصف به ؛ وعلى الثاني معناه أنّه طريقٌ قيّمٌ ، أي قائم مستقيم . ذكر تفسير القيّم بهذا في الغريب ۴ .

1.الكافي ، ج ۳ ، ص ۴۶۹ ، باب صلاة فاطمة عليهاالسلام من صلاة الترغيب ، ح ۷ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص۱۸۵ ، ح ۴۱۹ ؛ مصباح المتهجّد ، ص ۸۳۰ ، صلاة ليلة النصف من شعبان ؛ وص۸۳۹ ، صلاة أُخرى في هذه اليلة ؛ إقبال الأعمال ، ص ۶۹۵ ، فصل فيما نذكره من صلاة أربع ركعات أُخرى في ليلة النصف من شعبان ؛ وص۷۰۳ ، فصل فيما نذكره من رواية أُخرى بسجدات ودعوات ... ؛ البلد الأمين ، ص ۱۷۳ .

2.في «ج» : + «به» .

3.في «د» : «ما يوصل من المطلوب إلى الحقّ» .

4.تفسير غريب القرآن ، ص ۵۱۷ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 109621
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي