103
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

وأميرالمؤمنين عليه السلام ضِمن كلام آخر له في بيان خصائص العالم الواقعي وأشباه العلماء يقول :
لا تَقولوا بِما لا تَعرِفونَ ، فَإِنَّ أَكثَرَ الحَقِّ فيما تُنكِرونَ.۱
ولكنّ المسألة التي بلغت من الوضوح والبيان إلى هذا الحدّ وفهم كل ذي شعور أنّه لا حقّ له في إنكار ما لا يعرف وما هو مجهول لديه قدعمي عنها من علقوا بشباك الغرور العلمي فريسة لاعتبار النفس عالما ، ولا يرون إلّا خلافها .
وهناك مزيدٌ من الإيضاح في هذا الصدد عندما نتحدّث عن اُولي علائم العقائد غير العلمية .

علائم المعتقدات غير العلمية

ويمكن اختبار العقائد غير العلمية والتعرّف عليها ـ اُسوةً بما فعلنا بالنسبة للعقائد العلمية ـ عن طريق خصائص صاحب العقيدة ، وبقول آخر : إنّ علائم العقائد هي عين علائم العلماء الخياليّين وخصائص الجهلاء أشباه العلماء ، التي وردت في كلام الإمام عليه السلام بعد أن بيّن علائم العالم .
وفي هذا القسم أيضا نستهلّ بذكر نصّ الرواية ، ثمّ نطرح العلائم كلّا على حدة على بساط البحث :
إِنَّ الجاهِلَ مَن عَدَّ نَفسَهُ بِما جَهِلَ مِن مَعرِفَةِ العِلمِ عالِما ، وبِرَأيِهِ مُكتَفِيا ، فَما يَزالُ مِنَ العُلَماءِ مُباعِداً ، وعَلَيهِم زارِيا ، ولِمَن خالَفَهُ مُخَطِّئا ، ولِما لَم يَعرِف مِنَ الأُمورِ مُضَلِّلاً ؛ فَإِذا وَرَدَ عَلَيهِ مِنَ الأَمرِ ما لا يَعرِفُهُ أَنكَرَهُ وكَذَّبَ بِهِ ، وقالَ بِجَهالَتِهِ : ما أَعرِفُ هذا ، وما أَراهُ كانَ ، وما أظُنُّ أَن يَكونَ، وأنّى كانَ ، ولا أعرِفُ ذلِكَ؛ لِثِقَتِهِ بِرَأيِهِ، وقِلَّةِ مَعرِفَتِهِ بِجَهالَتِهِ. فَما يَنفَكُّ مِمّا يَرى فيما يَلتَبِسُ عَلَيهِ رَأيُهُ ومِمّا لا يَعرِفُ لِلجَهلِ

1.راجع : ص ۳۸۷ ح ۱۱۱۹ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
102

لارتكاب الخطأ فيما يقول ، على خلاف المبتلى بالغرور المؤوف باعتبار النفس عالما الذي يبدي رأيه ارتجالاً دون تأمّل في كلّ مايُعرض عليه .

7 ـ عدم إنكار المجهول

وآخر العلامات التي حدّد بها الإمام عليه السلام شخصية العالم الحقّ ـ والذي يستحقّ من وجهة نظر الإمام عليه السلام أن يقال عنه عالم ـ هي عدم إنكاره ما جهل وما يعلم :
وإِن وَرَدَ عَلَيهِ ما لا يَعرِفُ لَم يُنكِرهُ ؛ لِما قَرَّرَ بِهِ نَفسَهُ مِنَ الجَهالَةِ .
هذا المعافى السالم من الغرور العلمي العارف ضآلة معلوماته وعدم تناهي مجهولاته لا يجيز له عقله على أيّ حال أن ينكر ما لا يعرفه وما هو مجهول بالنسبة له .
وبهذا المعنى نقل عن ابن سينا أنّه قال :
كلّ ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يَذُدك عنه قائم البرهان .۱
وإنّها لحقيقة عقلية علميّة : أنّ «عدم المعرفة لا يدلّ على عدم الوجود» فما أكثر الأشياء التي لا علم للإنسان بها ، ولكنّها موجودة .
وهل كان البشر قبل ألف سنة على علم بحركة الدم وحركة الذرّة ومئات الحقائق العلمية الاُخرى التي تكشّفت وثبتت اليوم؟ فهل كان عدم العلم بهذه الاُمور فيما سبق يمكن أن يكون دليلاً على عدم وجودها كحقيقة واقعية ؟ فلو أنّ الإنسان كان من أهل العلم بالمعنى الواقعي لعلم أنّ أكثر حقائق الوجود اُمور مجهولة بالنسبة للبشر .

1.اشتهرت هذه العبارة ونقلها الكثيرون عن الشيخ الرئيس ، والذي عثرنا عليه بهذا المضمون في الإشارات والتنبيهات : ج ۳ ص ۴۱۸ في ذكر الحوادث الغريبة حيث قال : «فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان» .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199246
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي