119
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

حرّية العقيدة

ولا بدّ لنا قبل البحث في حرّية العقيدة توضيح معنى هذه الحرّية ، فما لم يتضّح معناها لا يتسنّى لنا الحكم بصحّتها أو عدم صحّتها .
ويمكن أن نتناول حرّية العقيدة بالتفسير من جوانب ثلاثة :
الأول : الحرّية في انتخاب العقيدة ، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في الاعتقاد بما يريد .
الثاني : الحرّية في التظاهر بالعقيدة ، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في الإفصاح عمّا اعتقده .
الثالث : الحرّية في نشر العقيدة ، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في نشر عقيدته والترويج لها .
وعليه ، فقد يتوجّه الحديث عن حرّية العقيدة إلى أحد هذه المعاني الثلاثة ، أو أنّه يتوجّه إليها جميعا .
والآن ـ بعد أن عرفنا معنى العقيدة ومنشأها وما ذكر في تفسير حرّية العقيدة ـ فقد حانت الفرصة لنطالع رأي العقل فيها .

حرّية العقيدة في رؤية العقل

إنّ للعقل رؤيةً ورأيا لكلّ واحدة من هذه المعاني فلا يسعه أن يحكم على كلّها حكما واحدا بصورة مطلقة لذا ينبغي أن يُدرس كلّ من هذه المعاني على حدة .

أ ـ حرّية انتخاب العقيدة

أول معاني حرّية العقيدة هو أن يكون الإنسان حرّاً في انتخاب ما يشاء من العقائد


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
118

قد قبل العقيدة بلا دراسةٍ وأمّا قبلها بعد الدراسة ولكنّه بتأثيرٍ من التفكير المكبَّل بالتقليد ، وفي كلتا الحالتين يقوم اعتقاده على أساس التقليد .
بناءً على ما تقدّم فالمنشأ الأساسي للعقيدة ومصدرها إمّا التحقيق وإمّا التقليد ، إلا أنّ هناك بطبيعة الحال منشأً ثالثا وهو الإلهام والإشراق ، ونظراً لكونه ليس مصدراً عامًّا بل هو خاصّ بمن يستثنون من الأفراد بما يخرجه عن نطاق بحثنا الآن فلنستمهله إلى حينه . ۱
أمّا ما يسترعي الانتباه هنا فهو أنّه بمجرّد دراسة معمّقة يتّضح لنا أنّ أغلب عقائد الناس وتصديقاتهم فاقدة للأساس الفكري ولا أصل لها من البحث والاستدلال ، وإنّما هي ثمرة التقليد!!
فالأب والامّ ، والقوم والقبيلة والبيئة ، والحزب والمنظّمة والجمعية ، والشخصيات المحترمة ، كلٌّ يلقّن الإنسان رأيا ووجهة نظرٍ ، يتقبّله تلقائيا فيقلّده دون أن يطالب بدليل أو برهان عليه ، فيألفه ثّم يتعوّد عليه رويداً رويداً حتّى ينعقد في ذهنه وروحه ويصير عقيدةً له .
ولهذا كانت العائلة والبيئة عاملَين أساسين لهما دور كبير في بلورة عقائد الغالبية الساحقة من الناس ، وعلى وجه العموم فإنّ الآراء والمعتقدات تنتقل إلى الفرد عن طريق عائلته أو عن طريق من يعيش في بيئتهم ، وقليلٌ جدّاً اُولاء الذين يختارون عقائدهم على أساس البحث والتثبّت فقط ، ومن ثَمّ حذّر القرآن الكريم الإنسان من تقليد أكثر الناس ، قال تعالى :
«وَإن تُطِعْ أكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إن يَتَّبِعُونَ إلَا الظَّنَّ وَإنْ هُمْ إلَا يَخْرُصُونَ» . ۲

1.راجع : ج ۲ ص ۱۱۴ «القلب» و ۱۴۱ «الفصل الرابع : مبادئ الإلهام» .

2.الأنعام : ۱۱۶ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199109
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي