121
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

صِفادَ ۱ التقليد عرضة للتّحطّم . ۲

ب ـ حرّية الإفصاح عن الاعتقاد

والمعنى الثاني من معاني حرية العقيدة هو حرّية الإنسان في الإعلان عن عقيدته والتظاهر بها ، وهي في نظر العقل من اُوليات حقوق الإنسان المسلّم بها؛ وأنّ لكلّ إنسان حقّ في أن يقول هذه عقيدتي ، وليس لأحدٍ مّا حقّ في مضايقته ، كما أنّ لكلّ إنسان أن يتصرّف في حياته الشخصية حسبما يريد ، طالما كان تصرّفه لا يتعارض مع حقوق غيره .
وحرّية التظاهر بالعقيدة ـ علاوةً على كونها حقًّا طبيعيًّا لكلّ إنسان ـ تستوجب التقاء الآراء ونضج المعتقدات العلمية وتصحيح العقائد أيضا ، وليس لدى العقل أدنى شكّ في صحّة هذه الحرّية وضرورتها ، إلّا أن هناك مسألتين ينبغي بحثهما في هذا الصدد :
المسألة الاُولى : أيحقُّ للإنسان أن يبدي رأيا خلافا لما يعلم وعلى خلاف عقيدته وإيمانه الواقعي؟
والمسألة الاُخرى : أيحقّ للإنسان عقلاً أن يرى من واجبه تصحيح العقائد الموهومة أو الفاسدة والتصديقات الشعواء أم لا ؟
وما ينبغي أن يُجاب به على السؤال الأول هو : أنّنا إذا احتكمنا إلى العقل فإنّه وإن كان يستهجن إظهار الرأي خلافا للاعتقاد الواقعي ويندّد به إلّا أنّه لا يرى مجوّزاً لسلب حرّية البيان ما دام لايمسّ الآخرين بالضرر .

1.الصِفاد : ما يوثَق به الأسير من قِدٍّ و قيدٍ و غلٍّ (الصحاح : ج ۲ ص ۴۹۸) .

2.سنأتي إلى الحديث عن هذا الموضوع عند التطرّق إلى المعاني الاُخرى لحرّية العقيدة .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
120

فيؤمن بما يميل إليه قلبه ويعتقد ما يرغب فيه فؤاده .
فلو أمعنّا النظر قليلاً لتبيّن لنا أنّ هذا النوع من حرّية العقيدة غير ممكن عقلاً ، فلا عقائد الإنسان وتصديقاته خاضعة لاختياره ، ولا هي خاضعة لاختيار غيره ، ولا في وسع الإنسان أن يعتقد بما يشاء على الإطلاق ، ولا في وسع أحد أن يرغمه على عقيدةٍ مّا ، وذلك لأنّ العقيدة ليست كالأزياء يختار الإنسان ويرفض منها ما يشاء ، كما وأنّه ليس هناك من يجبره على ارتداء هذا أو ذاك .
الاعتقاد لدى الإنسان شيء كالحُبّ . والعشق والتعلّق والمحبّة اُمور خارجة عن إرادة العاشق ، فلا هو يستطيع أن يعشق هذا أو لا يعشق ذاك ، ولا هو في اختيار أحد ليحمله على عشق دون عشق ، وإذا كان الوقت نهاراً فكيف يتأتّى له أن يؤمن بأنه ليل ، وهل في إمكان أحد أن يجبره على تغيير عقيدته ، نعم ، قد يضطرّ أحد إلى قول بخلاف عقيدته ، أمّا أن يغيّر اعتقاده وما آمن به فهذا محال .
في عام 1632 ميلادي وضع جاليلو كتابا عن عقائد بطليموس وكوبرنيك . وبعد عام من ذلك دعاه البابا إلى روما وأبلغه أنّ اعتقاده بدوران الأرض حول الشمس شِرْكٌ ، وأجبره على الجلوس على ركبتيه وطلب المغفرة ، وقيل : إنّ جاليلو نفّذ ما طلب منه البابا ، ولكنّه عندما خرج من عنده شوهد وهو يكتب على الأرض بإصبعه : «رغم كلّ هذا . . . الأرض تدور حول الشمس». ۱
وإنّها لحالة واحدة يمكن فيها للعقيدة أن تقبل التغيير ، وهي عندما يتغيّر منشؤها والمحيط الذي نشأت فيه ، فلو أنّ منشأها كان التحقيق فقد يواجه المحقّق على مدى تحقيقه دلائل تثبت بطلان عقيدته السابقة ، ولو أنّ منشأها كان التقليد فإنّ

1.فرهنگ فارسى (بالفارسية) للدكتور محمّد معين : ج ۶ «گاليله» .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199119
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي