123
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

لما بقي هناك مجال للدليل والبرهان ، حيث يحكم العقل بضرورة إزالة هذا العائق بالقوّة حتّى يتهيّأ المجال لازدهار العقائد الصحيحة وزوال العقائد الفاسدة .

ج ـ حرّية نشر العقيدة

والمعنى الثالث لحرّية العقيدة هو حرّية نشرها والترويج لها وتبليغها للآخرين ، سواء كانت مبنية على التحقيق أو التقليد ، وسواء كانت مطابقة للواقع أو لم تكن ، وسواء كانت مفيدة للمجتمع أو مضرّة له .
وعندما يحكم العقل ـ بناءً على ما ذكر من الأدلّة ـ بوجوب كفاح العقائد الموهومة فقد انتفى الشكّ في عدم الجواز للتبليغ بصورة مطلقة ، وإلّا فكيف يسيغ العقل أو يسمح بالترويج لعقائد وهمية عارية عن كلّ تحقيق، تكبّل الفكر وتشلّ نبوغ المجتمع وتتخلّف به عن سيرة التقدّم وتصيبه بالضرر؟! إنّ العقائد الباطلة الضارّة نوع من الأمراض النفسية ، والأمراض العقائدية أشدّ خَطراً وتفاقما من الأمراض الجسمية ، فاذا كان العقل لا يسمح لمريض أن يتنقّل بمرضه الجسماني بين المجتمع حذر تفشّي العدوى فيكف يسمح بحرّية تنقّل الأمراض النفسية؟!

الاعتقاد بالرقّ

«الرّق أمر ذاتي في المستضعفين من الناس» عقيدة تُنسب إلى أرسطو حيث قال في كتابه «السياسة» :
إنّ الطبيعة هي التي خَلقت العبد ، وإنّ البرابرة والشّعوب غير المتحضّرة خُلقت مبدئيًّا لأجل الانقياد والخدمة ، وقد خُلق اليونان زعماء ونبلاء. ۱

1.تاريخ بردگى (بالفارسية) : ص ۳۵ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
122

أمّا جواب السؤال الآخر فهو : أنّ العقل في الوقت الذي يعلن حرّية التظاهر بالعقيدة فإنّه يرى وجوب الإقدام على تصحيح العقائد ويستلزم ذلك أيضا ، بدليلين ، أوّلهما : أنّ العقيدة أساس العمل وركيزته ، والمعتقدات الموهومة الفاسدة مفسدة مضيعة للمجتمع ، والآخر : أنّ مكافحة المعتقدات الموهومة جهدٌ يهدف إلى تحرير الفكر ، ولا يمكن للعقل إلّا أنّ يقتضي موجبات تحرّره .
وبيان ذلك : أنّ حرّية العقيدة تتناقض أصلا مع حرّية الفكر ، فلا تتحقق حرّية العقيدة حيثما كانت حرّية الفكر ، فكما سبق أن وضّحنا أنّ العقيدة شيء يرتبط بالذهن وينعقد فيه ويندمج بروح الانسان ، فاذا لم تكن عقائد الإنسان قائمة على أساس فكري محقّق فهي أصفاد تشلُّ حركة الفكر وتحبس الروح في حصار الأوهام ، ولا تدع الإنسان حتّى يفكّر بحرّية أو يصل إلى المعتقدات العلمية المطابقة للواقع . وعليه ، فلا مندوحة أمامه إلّا أن يختار حرّية الفكر أو حرّية العقائد الموهومة ، فإذا ما اختار حرّية الفكر أصبح تحطيم أغلال العقائد الموهومة أمرا جدّيًّا مهمًّا ، وكذلك عندما يكون مكبّلاً بالأغلال لا يستطيع أن يحطّمها بنفسه ، ولابدّ له من شخص طليق ليحرّره ، ولا يستطيع الفكر المكبَّل بسلاسل المعتقدات الموهومة المرتهنة للعقائد الفاسدة أن يتحرّر منها وينجو بنفسه ما لم يتدراكه شخص طليق يقدم على تحطيم أغلاله وينقذه .
وعليه ، فإنّ العقل يرى أن الإقدام على تصحيح عقائد الآخرين أمر ضروري واجب ، ونظراً لأنّ تصحيح العقائد ليس بالقوّة والإجبار كان الطريق إلى ذلك هو تنوير الأفكار وهدايتها إلى نضج العقائد الصحيحة وكمالها ، وتعريف الحقائق إلى الناس بالدليل والبرهان ، واستبدال التقليد بالتحقيق .
ولو أنّ فرداً أو أفراداً أصبحوا حَجر عثرة في سبيل حرّية الفكر وتصحيح العقائد

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199245
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي