129
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

اعترافا عمليا ، أو على العمل بما يخالفها .
وبعد أن تحدّد معنى الإيمان ينبغي أن لا تفوتنا الإشارة إلى أنّ المراد من الإجبار في قولنا : لا إجبار في الايمان هو الإجبار في الركن الثاني من ركني الإيمان ، لأنّ الإجبار كما أسلفنا لا يسري إلى الركن الأوّل .
فلو قال أحدٌ بأنه يعتقد أنّ اللّه تعالى خالق الكون ولا إلهَ إلّا هو وجب عليه أن يعلم الدليل على ذلك ، ولو قال أنّه يعتقد أنَّ محمداً صلى الله عليه و آله رسول للّه وجب عليه أن يعلم لماذا كان محمدٌ رسول اللّه ، ولو قال أنّه يعتقد أنّ الإنسان يحيا بعد موته يوم القيامة للبَتِّ في أعماله وجب عليه أن يعرف الدليل على ذلك ، فإذا جهل الدليل ولم يعرفه أو ألقى اللوم على الوالدين أو المعلّم لأنهم هكذا قالوا! لن يقبل الإسلام عذره . ويقطع الإسلام بأنّ العقائد يجب أن تكون تحقيقية لا تقليدية ، وأنّ على كلّ إنسان أن يحكم في مسائله العقائدية الأساسية بنفسه دون غيره ، فأحكام غيره وآراؤه لاتجديه نفعا .
وأكبر من هذا ، أنّ الإسلام لايرغم الإنسان حتّى على الاعتراف بمعتقداته ، وهذا هو المقصود من قولنا : لا إجبار في الإيمان ، فالإسلام لايرغم أحداً على الاعتراف بالعقائد الإسلامية دون إيمان بها ، ولا يقبل اعترافا تقليديا غفلاً من التحقيق والتفكير والعلم ، بل إنه ليعتبر حتّى اُولئك الذين يؤمنون بعقائده ولدوافع مختلفة لا يعترفون بها عمليا أنهم أحرار ، ولا يحقّ للمسلمين إرغامهم على الاعتراف العملي بها عنوة ، يقول سبحانه في محكم كتابه :
«لَا إكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» . ۱

1.البقرة : ۲۵۶ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
128

الإسلامية دون الاعتقاد القلبي بها ليس إيمانا ۱ ، كما أنّ الاعتقاد القلبي دون الإقرار العملي ليس إيمانا أيضا ، ومن ثَمّ ، لم يكن فرعون مؤمنا لأنه وإن كان على يقين من حقّانية موسى عليه السلام فيما يقول مؤمنا برسالة موسى إيمانا قلبيا ولكنه لم يقرَّ بوحدانية اللّه ونبوّة موسى عليه السلام بدافع اللجاجة والاستكبار ۲ ، حتّى إذا ما أشرف على الغرق اضطرّ إلى الاعتراف بالتوحيد والرسالة ، فقال :
«ءَامَنتُ أنَّهُ لَا إلَـهَ إلَا الَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إسْرَ ءِيلَ وَ أنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . ۳
وهنا كان فرعون مجبَراً على الإيمان ، كان لديه الإيمان القلبي ولم يقرّ بلسانه إلّا تحت رهبة الغرق والموت ، وحينذاك أقرّ فصار مؤمنا ، إلا أنّه إيمانٌ اضطراريّ تمّ بالإجبار .
وعليه ، فللإيمان ركنان : الاعتقاد القلبي ، والإقرار العملي :
فالركن الأول ليس في اختيار الإنسان ، فلا يستطيع أن يؤمن أو لايؤمن على هواه .
أمّا الركن الآخر فله الخيار فيه ، ويمكنه أن يعترف بما آمن به وأن يعمل بمقتضاه ، أو لايعترف به عمليا .
ومادام الاعتقاد القلبي ـ وهو الركن الأول للإيمان ـ لا يخضع لإرادة الإنسان أو اختياره فقد انتفى الإجبار عنه ، أي أنّه لايمكن تغيير عقيدة بممارسة القوّة على المعتقد ، أمّا الركن الثاني للإيمان ـ وهو الإقرار العملي الخاضع لإرادة الانسان واختياره ـ فهو مناط بالإجبار ، فيمكن أن يُجبر شخص على الاعتراف بعقائده

1.راجع : ميزان الحكمة، باب ۲۵۵ .

2.«وَجَحَدُوا بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أنفُسُهُمْ ظُـلْما وَ عُلُوًّا» (النمل ۱۴) .

3.يونس : ۹۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195396
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي