131
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

الدواعي ـ ليسوا على استعداد للاعتراف بما صدقوا! ومع ذلك فإنّ القرآن يصرّح بأنه لايحقّ لأحد أن يجبرهم على الاعتراف بالقوة!
ومن الآيات الاُخرى التي ترفض الإكراه على الإيمان بالعقائد الإسلامية قوله تعالى :
«وَ لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَامَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا أفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ» . ۱
وقد روى الإمام الرضا عليه السلام عن أجداده عن أميرالمؤمنين عليه السلام في شأن نزول هذه الآية : قالوا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : لو أكرهت يارسول اللّه من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
مَا كُنتُ لِأَلقَى اللّهَ عز و جل بِبِدعَةٍ لَم يُحدِث إِلَيَّ فيها شَيئا ومَا أنَا مِنَ المُتَكَلِّفينَ .
فأنزل اللّه تبارك وتعالى : يا مُحَمَّدُ«وَ لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَامَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا».۲

أي : جبراً واضطراراً ، كما يؤمنون بعد موتهم عندما يأخذهم العذاب ، فلو أنّ الأمر كان كذلك لما استحقوا ثوابي ، ولكن اُريدهم أن يؤمنوا بحرّية ودون إجبار .
وخلاصة القول في مفاد هذه الآية الكريمة وعلى ضوء شأن نزولها هو أنّ الإنسان قد خُلِقَ في نظام الخَلْقِ حُرّاً كي يكون تكامله وانحطاطه حسب اختياره شخصيا ، ويكون للثواب والعقاب الاُخروي معناه . وعليه ، لا يجوز فرض الإيمان على الإنسان ، لأنّ ذلك يتنافى والحكمة في خلقه ، وما كان للأنبياء أن يعملوا خلافا لسنّة الخلق والمشيئة الإلهية ولو كان ذلك سببا لقوّة الحكومة الإسلامية

1.يونس : ۹۹ .

2.التوحيد : ص ۳۴۲ ح ۱۱ ، عيون أخبار الرضا : ج ۱ ص ۱۳۵ ح ۳۳ ، بحار الأنوار : ج ۱۰ ص ۳۴۳ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
130

وهذه الآية مضافا إلى رفضها الصريح للإكراه على العقائد الدينية فقد قدّمت الدليل صراحةً على حرّية الإنسان حتّى في الاعتراف العملي بما يعتقده حقًّا ، حيث قالت في البداية : إنّ قبول العقائد الإسلامية والاعتراف العملي بها ليس إجباريا ، وللناس الحرّية في اعتناق الإسلام : «لَا إكْرَاهَ فِى الدِّينِ» ثم أردفت مباشرةً بتقديم الدليل الكافل لهذه الحرّية بأنّ الطريق واضح ، فإمّا الهدى وإمّا الضلال : «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» .
إنّ الدين، برنامج وطريق لتكامل الإنسان ، وحتّى ينفذ الإنسان هذا البرنامج ويطوي هذا الطريق ينبغي له إمّا أن يكون عالما بالطريق فيمكنه أن يطويه بإرادة وحرّية ، وإما أن يُساقَ في هذا الطريق إجباراً .
وفي نظر القرآن الكريم أنّه إذا ما توضّحت معالم الطريق لتكامل الإنسان فغير منطقي أن يكون الدين إجباريا ، فمجرّد الدليل في حدّ ذاته يقتضي حرّية الإنسان في اختيار طريق تكامله . فالتكامل أمر اختياري ، والإنسان يدرك الحكمة في خلقه عالما يختار الطريق الصحيح بمل ء حرّيته واختياره ليس إلَا ، فإذا ما وضح الطريق الصحيح وأساء الإنسان الاستفادة من حرّيته وانحرف عن الطريق الذي يتيقّن صحّته ، إلى طريق يتيقّن خطأه فقد انتفى هنا معنى الإجبار ، فليترك ليتردّى وينال جزاء اختياره .
والنقطة التي تسترعي النظر هنا بما لم يسبق أن نوِّهَ اليه ـ فيما اطّلع عليه الراقم ـ أنّ الدليل الذي تقدّمه هذه الآية الكريمة : «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» على حرّية الناس في اعتناق الإسلام بل وجميع الآيات التي تتعرّض لمسألة الإكراه والإجبار تفيدنا بأنّ الكلام عن اُولئك الذين تبيّن لهم الرشد من الغي فميَّزوا بينهما وفهموا حقّانية الإسلام حقّ فهمها وأدركوا عقائد الإسلام كما ينبغي لها ، إلّا أنهم ـ لمختلف

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195379
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي