133
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

أراد أن يجبر الناس على الإيمان لتصرّف بشكل آخر .
وهذا الذي استنبطناه من الآيات المذكورة يطالعنا بصورة أكثر وضوحا في آياتٍ اُخرى من جملتها قوله تعالى :
«لَعَلَّكَ بَـخِعٌ نَّفْسَكَ ألَا يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَـلَّتْ أعْنَـقُهُمْ لَهَا خَـضِعِينَ» . ۱
وكذلك قوله سبحانه :
«فَلَعَلَّكَ بَـخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَـرِهِمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـذَا الْحَدِيثِ أسَفا * إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أيُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلاً» . ۲
فهذه الآيات تدلّ بوضوح على أن النبيّ صلى الله عليه و آله كان يعاني غُصَصا من تردّي الناس في أصفاد العقائد الوهمية وكراهتهم للحرّية وتقبّل العقائد الصحيحة ، كادت لشدّة حزنه أن تودي بحياته ، وما يستلفت النظر في الآيات الأخيرة التي نزلت تسليةً لخاطر النبيّ وسلوانا لمواساته صلى الله عليه و آله أنّ الإشارة في الآية الثالثة من سورة الشعراء إلى عدم الإكراه في الإيمان ، كما أشارت الآية السادسة من سورة الكهف إلى الحكمة في الحرّية ، وأنها اختبار للإنسان وتكامله .

مكافحة العقائد الموهومة في الإسلام

ربّما يستنتج ممّا سلف عن حرّية العقيدة وحرّية التعبير عنها أنّ الإسلام لايسمح باتّخاذ أيّ إجراء من أجل مكافحة العقائد الواهية وتصحيح المعتقدات المجانِفة للصواب ، وما دامت عقائد الإنسان تابعة لمبادئه الخاصة وخارجة عن اختياره وأنّ الكلّ أحرار في الإفصاح عن معتقداتهم وأنّه لا يجوز فرض الإيمان حتّى على

1.الشعراء : ۳ و ۴ .

2.الكهف : ۶ و ۷ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
132

وضعف أعدائها .
وثالثةٌ من الآيات التي تنفي صراحة إجبار الإنسان على الإيمان أو فرضه عليه قوله سبحانه ، حيث يوجّه الخطاب فيها إلى نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله :
«فَذَكِّرْ إنَّمَا أنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» . ۱
يعني أنّ مهمَّة الرسول هو التذكير والتوعية وتبليغ الرسالة السماوية والهداية إلى سواء السبيل ، وأن الناس هم الذين يجب عليهم التصميم واختيار الطريق القويم ، فالنبي لم يسلَّط من جانب اللّه على الخلق حتّى يفرض عليهم الإيمان عنوةً ، فمهمّة الأنبياء بيان العقيدة ، لا فرضها .
والرابعة في هذا المجال قول اللّه عز و جل حيث يخاطب فيها نبيّه صلى الله عليه و آله :
«وَ مَا أنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ» . ۲
وتوضحُ هذه الآية عن أن النبيّ صلى الله عليه و آله كان كلَّما شاهد الناس مُقْمَحَةٌ أعناقهم إلى الأذقان في أغلال العقائد الباطلة الضارّة نال منه الأسى وعضَّه الألم ، ولم يدّخر وسعا لتحريرهم بأيَّ وسيلة ، حتّى إذا ما رأى أنّ مساعيه الدائبة لعتق عدد يُلاحظ منهم لا تجديهم نفعا برَّح به الألم حتّى أعيا جسمه عن تحمّل الآلام ، فكان لابدّ من تدارك اللّه فيلطّف حدّة الآلام التي نفّست عن شدّة رأفة النبيّ صلى الله عليه و آله بالناس ورحمته بهم.
وهكذا كانت الآيات الآنفة الذكر نوعا من الترويح لخاطر النبيّ صلى الله عليه و آله على أنّ أساس مسؤوليته منحصرة في البلاغ لرسالات ربّه والتذكير بها ، وهي لاتتعدّى إلى الإجبار وفرض الإيمان على الناس ، وأنّه قد أدّى مهمّته دونما تقصير ، ولو أنّ اللّه

1.الغاشية : ۲۱ و ۲۲ .

2.ق : ۴۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195272
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي