139
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

وجه التاريخ في محاكم التفتيش .
أجل ، إنّ الإسلام لايلجأ إلى قوّة السلاح لفرض عقائده وإنّما يلجأ إلى تحطيم الموانع والعقبات التي تحول دون انتشار العقائد الصحيحة وازدهارها .

الكفاح من أجل حرّية الفكر

نعم ، عندما لا يجدي الدليل والبرهان والمناظرة والموعظة فتيلاً لايرى الإسلام مندوحةً إلّا مقابلة الموانع والسدود الّتي أمام طريق حرّية الفكر ، بالكفاح المسلّح والحرب.
وهذه الموانع تتمثّل في النُظُم الفاسدة والتقاليد الخرافية التي تسلب الناس قدرتهم على التفكير والتشخيص ، وبالتالي على انتخاب العقائد الصحيحة .
إنّ النُظُم الفاسدة المتهرّئة والقدرات الطاغية الجائرة التي تتغذّى وتنمو على جهل الناس وترى في وعيهم صورة واقعية لسقوطهم من أريكة الاقتدار لايمكنها أن تسمح بإعلان الحقائق للناس كما هي ، ومن هنا كانت هذه النُظُم في حقيقتها سدّا في طريق المعتقدات الصحيحة ، أو كما وصفها القرآن بأنها تصدّ عن سبيل اللّه .
فالإسلام بعد أن يُتمّ الحجّة على هذه النُظُم يواجهها بالقوّة ، حتّى يزيل العقبات المانعة لحرّية الفكر ، ويفسح الطريق للوعي ونماء العقائد الصحيحة .
وسوف نشاهد بعد ـ في مبحث «النبوّة الخاصّة» فيما يختصّ بمعرفة النبيّ صلى الله عليه و آله واُسلوبه في مقابلة المخالفين ـ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله في مواجهته للقُدرات المناوئة كان يتوسّل بالدليل والبرهان كخطوة اُولى في مناظرته ، ثمّ المباهلة كخطوة ثانية وهي


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
138

فـ «الجدال بالتي هي أحسن» يعني ممارسة أسلم الطرق وأليق الأساليب في المناظرة ، حتّى يتجلى الحقّ ، و«المراء الظاهر» هو الإفادة من الأدلّة التي ثبت حجّيتها وظهرت قاطعيتها وأيقن بها الجميع ، والتي من شأنها أن تُفحم الطرف المقابل وتلقمه حجراً .
والإسلام ـ وهو رسالة أنبياء اللّه جميعا ـ هو الواضع الأول لمنهاج النقاش الحرّ والمناظرة ، والنبيّ صلى الله عليه و آله ـ وهو أعظم رسول إلهي ـ هو الذي أعلن لأول مرّة منهاج النقاش الحرّ والمناظرة وتلاقي الأفكار السليمة في مجتمع عصر كانت الغلبة فيه للقوّة والمال ، وعلى هذا الغرار كان هو وعلماء أهل بيته هم الطليعة البارزة في هذا المجال ، ومن ثَمّ اختصّ قسم ملحوظ من كتب الحديث بمناظرات النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمه من أهل بيته عليهم السلام . ۱
والجدير بالملاحظة هنا هو أنّ اُسلوب الإسلام للقضاء على المعتقدات غير العلميّة اُسلوبٌ علميٌّ منطقيٌّ تماما ، فلم يلجأ ولا يلجأ إلى السيف لهذا الفرض بتاتا ، فكان اُسلوب الرسول صلى الله عليه و آله في الدعوة ـ بناءً على تعليمات القرآن ـ مبتنيا على إقامة الأدلّة والبراهين وبذل المواعظ والنصائح والمناظرة بالتي هي أحسن ، وكان صلى الله عليه و آله يُعلن صراحةً بأنّ اُسلوبه واُسلوب من اتّبعه لدعوة الناس إلى الإيمان باللّه واعتناق الإسلام يستند إلى العلم والبصيرة :
«قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِى أدْعُواْ إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى» . ۲
وعليه ، فإنّه غاية من عدم الإنصاف أن يقال : إنّ الإسلام قد فُرِضَ على الناس بالقوّة ، ولا سيَما إذا كان هذا الافتراء قد صدر من جانب اُناسٍ قد سوّدت جرائمهم

1.راجع : الحوار بين الحضارات في الكتاب والسنة.

2.يوسف : ۱۰۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199105
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي