147
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

هذا الاستنتاج من الدين والمذهب ـ كما ذكرنا فيما مضى ـ ليس مستوحىً من فكر يستند إلى قاعدة علميّة ولا فلسفية ، إنّما هو إيجاد أذهان تستغلّ العلم والفلسفة لأغراض سياسية ، فمخطّطو السياسات الاستكبارية الذين يدعون إلى حرّية العقيدة لايرغبون في الحقيقة أن يكون الكلُّ أحراراً في إظهار آرائهم ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى رشد العقائد السديدة ونمائها ، وتحرّر الناس من قيود العقائد الباطلة ، وبالتالي يضعون نهايةً لتلك القدرات السياسية ، وعليه ، فهم يجتهدون في تلهية الناس ، أملاً في التوصّل إلى مآربهم السياسية المعادية للشعوب ، وطالما كان الدين بمعزل عن السياسة وكانت المعتقدات الباطلة ـ لا فرق هنا بين مختلف الأديان الباطلة ـ أكبر دواعي التخدير واللهو أثراً ، تراهم يعلنون حرّيتها بما تقتضيه مصالحهم السياسية .
هذا ، ولو أنّ الدين أخذ مكانه في عالم السياسة ونَمَتْ في ظلّه العقائد الصائبة وتحطّمت قيود المعتقدات الباطلة وانعتق الناس من نير القوى الاستكبارية وسلطانها ، لما توقّف الأمر على أن يحرِّمه اُولئك الداعون الرسميون لحرّية العقيدة فقط ، بل ولاُبيد أتباعه ومناصروه على أيدى هؤلاء المدّعين لحريّة العقيدة ، أنفسهم ، بحجَّة الدفاع عن حرّية العقيدة .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
146

المحكمة المذكورة بالحرق في النار عام 1600 م بتهمة اعتقادهم بأنّ الإنسان عندما يبلغ سِنَّ الرشد تتبلور لديه عقيدة مطابقة لعقله واستنباطه حول العالم ، ففي رأي المحكمة أن اعتقاد برونو كان دليلاً على معارضته للدين المسيحي ، ذلك لأنّ المحكمة الآنفة الذكر كانت تعتقد بأنه يجب على كلّ مسيحي يبلغ سنّ الرشد أن يعلن عن رأيه في الحياة الدنيا وفق ما جاء في الكتاب المقدّس ، لا حسبما يراه عقله واستنباطه ، وعليه ، كان برونو ـ كما ادّعت المحكمة ـ مرتدّاً عن دينه بسبب حلول الشيطان في جسمه ، ومن ثَمّ استوجب الحرق لطرد الشيطان من جسمه .
أضف إلى ذلك أنّ الدين والمذهب في نظر المخطّطين للسياسات الدولية والفلاسفة الذين يستلهمون سياساتهم ليسا إلّا وسيلة للَّهو ، شأنهما شأن قصيدة أو فلم سينمائي ، لايهمّهم فيهما الصدق والكذب أو الحقّ والباطل ، وعلى حدّ تعبير الشهيد المطهّري :
إنّ الدين والمذهب في رأي البعض من الفلاسفة الاُوروبيّين ـ سواء كان يتمثّل بعبادة الأوثان أو عبادة البقر أو عبادة اللّه ـ أمرٌ يختصّ ضمير الفرد . . .
وفيما يختصّ المسائل الدينية والمذهبية فإنّهم لا يرغبون في الاعتراف بحقيقة الدين والنبوة ، ويتجاهلون أن يكون الأنبياء قد بعثوا حقًّا من قِبَلِ اللّه تعالى ، وإنّهم رسموا للناس طريق حقّ يضمن سعادتهم لو أنهم اتّبعوه ، ولذلك تراهم لايعترفون للدين بحقيقة أو منشأ ، ويقولون : نحن نعلم فقط أنّ الإنسان لايستطيع العيش بدون دين ، فأحد شروط العيش انشغال الإنسان وتسلّيه بشيء على أنّه دين أو معبود ، سواء كان المعبود هو اللّه تعالى أو إنسانا باسم المسيح أوبقراً أو فلزّاً أو خشبا. وعليه، لاتجوز مضايقة الناس ، دعهم ينتخبون ما يتناسب وأذواقهم ، فكلّ ما ينتخبونه حَسنٌ. ۱

1.پيرامون جمهورى اسلامى (بالفارسية) : ص ۱۰۵ ـ ۱۰۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 242320
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي