هذا الاستنتاج من الدين والمذهب ـ كما ذكرنا فيما مضى ـ ليس مستوحىً من فكر يستند إلى قاعدة علميّة ولا فلسفية ، إنّما هو إيجاد أذهان تستغلّ العلم والفلسفة لأغراض سياسية ، فمخطّطو السياسات الاستكبارية الذين يدعون إلى حرّية العقيدة لايرغبون في الحقيقة أن يكون الكلُّ أحراراً في إظهار آرائهم ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى رشد العقائد السديدة ونمائها ، وتحرّر الناس من قيود العقائد الباطلة ، وبالتالي يضعون نهايةً لتلك القدرات السياسية ، وعليه ، فهم يجتهدون في تلهية الناس ، أملاً في التوصّل إلى مآربهم السياسية المعادية للشعوب ، وطالما كان الدين بمعزل عن السياسة وكانت المعتقدات الباطلة ـ لا فرق هنا بين مختلف الأديان الباطلة ـ أكبر دواعي التخدير واللهو أثراً ، تراهم يعلنون حرّيتها بما تقتضيه مصالحهم السياسية .
هذا ، ولو أنّ الدين أخذ مكانه في عالم السياسة ونَمَتْ في ظلّه العقائد الصائبة وتحطّمت قيود المعتقدات الباطلة وانعتق الناس من نير القوى الاستكبارية وسلطانها ، لما توقّف الأمر على أن يحرِّمه اُولئك الداعون الرسميون لحرّية العقيدة فقط ، بل ولاُبيد أتباعه ومناصروه على أيدى هؤلاء المدّعين لحريّة العقيدة ، أنفسهم ، بحجَّة الدفاع عن حرّية العقيدة .