167
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

وممّا يسترعي الانتباه في هذا المجال هو ما روي عن الإمام علي عليه السلام فيما يخصّ هذا التقسيم، حيث روي عنه أنّه قال بشأن العلم:
«العِلمُ عِلمانِ؛ مَطبوعٌ ومَسموعٌ، ولا يَنفَعُ المَسموعُ إذا لَم يَكُنِ المَطبوعُ».۱
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: ما العقل والعلم المطبوع؟ وبِمَ يختلف عن العقل والعلم المسموع؟ ولماذا لا ينفع الإنسان عقل التجربة والعلم المسموع إذا لم يكن العقل والعلم المطبوع؟
والجواب هو: الظاهر أنّ المراد من العقل والعلم المطبوع هو مجموعة المعارف التي أودعها اللّه عز و جل في طبيعة كلّ إنسان؛ ليعثر بواسطتها على الطريق الذي يقوده إلى الكمال، ويسير بها على طريق الغاية النهائية لعالم الخلقة. وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه المعارف الفطرية بإلهام الفجور والتقوى، وذلك في قوله:
«وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا» . ۲
وهو ما يسمّى اليوم بالوجدان الأخلاقي.
يعتبر عقل الطبع أو الوجدان الأخلاقي مبدأ للإدراك، وفي الوقت ذاته كمبدأ للحفز، ولو قُدّر له الانبعاث والتنامي على أساس تعاليم الأنبياء ليتسنّى للإنسان الاستفادة من سائر المعارف التي اختزنها عن طريق الدراسة والتجربة، ولتيسّر له تحقيق الحياة الإنسانية الطيّبة التي يصبو إليها. أمّا إذا مات عقل الطبع على أثر اتّباع الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فلا تنفع الإنسان عند ذاك أيّ معرفة في إيصاله إلى الحياة المنشودة، مثلما ورد في كلام أميرالمؤمنين عليه السلام الذي شبّه فيه عقل الطبع بالعين، وعقل التجربة بالشمس. ولا شكّ في أنّ رؤية الحقائق تستلزم وجود

1.راجع : ج ۲ ص ۲۲ ح ۱۲۸۴ .

2.الشمس : ۷ و۸ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
166

الرازي صاحب المحاكمات ، وأخيرا المحقق النراقي صاحب كتاب «جامع السعادات». ۱
أقول: النظرية الاُولى أقرب إلى معنى كلمة العقل، ولكنّ الأصح هو تفسير العقل العملي بمبدأ الإدراك والحفز؛ وذلك لأنّ الشعور الذي يتعاطى مع القيم الأخلاقية والعملية هو مبدأ الإدراك، وهو في الوقت ذاته مبدأ للدفع والحفز. وقوّة الإدراك هذه هي ذات العنصر الذي سُمّي من قبل بالوجدان الأخلاقي وسمّته النصوص الإسلامية بعقل الطبع، وهو ما سنوضّحه فيما يأتي:

عقل الطبع وعقل التجربة

وبدلًا من تقسيم العقل إلى نظري وعملي وضعت له النصوص الإسلامية تقسيما من نوع آخر ، وصنّفته إلى «عقل طبع» و«عقل تجربة» أو «عقل مطبوع» و«عقل مسموع» ، حيث قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا المضمار:
العَقلُ عَقلانِ؛ عَقلُ الطَّبعِ وعَقلُ التَّجرِبَةِ، وكِلاهُما يُؤّدِّي المَنفَعَةَ.۲
وقال أيضا:

رَأيتُ العَقلَ عَقلَينِ
فَمَطبوعٌ ومَسموعُ

لا يَنفَعُ مَسموعٌ
إذا لَم يَكُ مَطبوعُ

كَما لا تنفَعُ الشَّمسٌ
وضَوءُ العَينِ مَمنوعُ.۳

1.جامع السعادات : ج ۱ ص ۵۷ . ولمزيد التوضيح راجع : كتاب حسن وقبح عقليّ «بالفارسيّه»، الفصل السادس: «العقل النظريّ والعقل العمليّ» .

2.راجع : ج ۲ ص ۱۲۷ ح ۱۷۷۲ .

3.راجع : ص ۱۸۲ «أنواع العقل» .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 239621
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي