هذين العنصرين في وجود الإنسان . قال الإمام عليّ عليه السلام في بيانه لهذا التركيب :
إنَّ اللّهَ عز و جل رَكَّبَ فِي المَلائِكَةِ عَقلًا بِلا شَهوَةٍ ، ورَكَّبَ فِي البَهائِمِ شَهوَةً بِلا عَقلٍ ، ورَكَّبَ في بَني آدَمَ كِلَيهِما.۱
لقد سُمّي عنصر الجهل في هذا الحديث «شهوة» ؛ فللملائكة عقل فحسب ، وللبهائم عنصر الشهوة فحسب ، فالملائكة عقل محض ، والبهائم جهل محض ، في حين ينطوي كيان الإنسان على مزيج مركّب من العقل والجهل ، أو العقل والشهوة ، أو العقل والنفس الأمّارة .
4 . الحكمة من تركيب العقل والجهل
إنّ أهمّ قضيّة تتعلّق بخلق العقل والجهل هي الحكمة الكامنة وراء مزج هذين العنصرين المتضادّين ، ولماذا أودع اللّه الحكيم في كيان الإنسان النفس الأمّارة؟ ولماذا خلق له شهوة تدفع به نحو حضيض الجاهليّة؟ ولماذا لم يخلقه كالملائكة ، مجرّد عقل بلا شهوة لكي لا يحوم حول الرذائل؟
الجواب على ذلك : هو أنّ الخالق الحكيم أراد أن يخلق كائنا له قدرة على الاختيار ، فالحكمة والسرّ الكامن وراء هذا التركيب الممزوج من العقل والجهل في الإنسان هو خلق موجود حرّ له قدرة على الاختيار .
فالملائكة بما أنّهم مجرّدون من الشهوة يمتنع صدور القبيح منهم ۲ ، ولهذا لا يمكنهم اختيار طريق آخر غير ما يأمر به العقل .
وكذلك البهائم ؛ بما أنّها مجرّدة من العقل فهي غير قادرة على اختيار طريق غير الطريق الذي تدعوها إليه شهوتها .