25
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

دخوله في عالم الآخرة من استجوابات مبدئيّة للتسجيل في ملفّ أعماله هو السؤال عن العقائد ، فأوّل سؤال عن العقيدة، لاعن العمل: بأيّ إلهٍ آمنت؟ وبأيّ دين اعتقدت؟ ومن اُسوتك ورائدك الذي اتّبعتَه؟
ولا يمكن العثور على مدرسة بين مدارس العالم تعير العقيدة الإنسانيّة ما يعيرها الإسلام من الاهتمام والقيمة والاحترام البالغ ، فالبحوث العقائديّة من منظار الإسلام تتصدّر البحوث الاُخرى على الإطلاق.
فعلى المؤسّسات العلميّة الدينيّة والجامعات في الأقطار الإسلاميّة أن تُولي المحاضرات والبحوث والقضايا العقائديّة عظيم اهتمامها قبل كُلّ شيء.
وسيأتي الحديث مفصّلاً في الأقسام القادمة من هذا الكتاب عن رؤية الإسلام للأهميّة التي تتَّسم بها مباحث علم المعرفة. و نشيرهنا إشارةً مقتضبة إلى قصّة تربويّة بالغة التعليم في هذا المجال.

قصّةٌ تَربويّة

روى المرحوم الشيخ الصدوق (المتوفّى 381 ه ) ـ وهو من أعلام محدّثي الشيعه في كتبه المعروفة: معاني الأخبار؛ والخصال؛ والتوحيد ـ عن شخص يُدعى القدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه قال: إنّ أعرابيًّا قام يوم الجمل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، فقال:
يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، أَتَقولُ إِنَّ اللّهَ واحِدٌ؟!
سؤال لم تكن له أيّ مناسبة في نظر المقاتلين المنهمكين في القتال ولا شاغل لهم اِلّا التخطيط للعمليات والخطط الحربية وما يلزم لتنفيذها ، فلو أنّ سائلاً أراد أن يسأل عن شيء في ذلك الموقف فلابدّ أن يكون سؤاله مرتبطا بالحرب، بالمسألة الأصلية في ذلك اليوم ، فلمّا رأوا أنّ سؤال الأعرابي عن مسألة عقائدية تبدو


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
24

الباري سبحانه :
«كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» .۱
فعقائد الإنسان وتصديقاته هي التي تحدّد هيئته الباطنية وحقيقته الواقعية وتشكّلهما ، وهي التي تحفّزه إلى العمل وتحدّد اتّجاهه في الحياة ، فاذا كانت عقيدته صائبة مطابقة للواقع كان طريق حياته صائبا كذلك ، أمّا إذا كانت عقيدته فاسدة باطلة فإنّ طريق حياته لا يؤدّي إلّا إلى الضياع ، ومن ثَمّ كان اهتمام الإسلام بتصحيح العقيدة قبل أيّ شيء آخر .
من المؤكّد أنّه ليست هناك مدرسة تفوق مدرسة الإسلام في تقديرها للعقيدة ، فالعقيدة في الإسلام هي المعيار لتقييم الأعمال ، وحتّى الأعمال الصالحة فإنّها تعتبر فاقدة لقيمتها ما لم تنبعث عن عقيدة صحيحة صائبة! يقول الإمام الباقر عليه السلام :
لا يَنفَعُ مَعَ الشَّكِّ وَالجُحودِ عَمَلٌ.۲
وهذا يعني أنّ صحّة العمل وفائدته ودوره في تكامل الإنسان منوطٌ بصحّة عقيدة العامل ، فإن لم تتوفّر في الإنسان سلامة العقيدة وكان منكِراً لما هو حقّ أو اعتراه الشّك فيه فإنّ ما يتأتّى عن عقيدته من عمل لا يمكن أن يكون سالما أو يجدي نفعا ، ذلك لأنّ العقيدة هي التي تثير في الإنسان دافعا للعمل ، والدافع هو الذي يوجّه العمل ، والدافع والاتّجاه كلاهما يحدّدان مفهوم العمل ومعناه ولياقته وعدم لياقته .
لذلك ، فإنَّ ـ من وجهة نظر الإسلام ـ أوّلَ ما يُطرح على الإنسان بعد مماته لدى

1.الإسراء : ۸۴ .

2.الكافي : ج ۲ ص ۴۰۰ ح ۷ ، الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : ص۳۸۸ وفيه «أروي ...» ، بحار الأنوار : ج ۷۲ ص۱۲۴ ح ۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199284
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي