وهنا ، نصل إلى نكتة على غاية من الحسّاسية والدقّة ، فالقرآن الكريم يسعى لتطهير أذهان الناس من خيال توهّم المرء نفسه عالما ، ليجعلهم علماء واقعيين . إنّ القرآن يسعى إلى إنقاذ اتباع المدارس كافةً والمعتقدين بجميع العقائد من مرض المعرفة الخيالية الناشئة عن التقليد الأعمى ، والوصول بهم إلى المعرفة الحقيقية والعلم الواقعي ۱ ، ولهذا ، يحمل بشدّة على من يفضّلون التقليد على التحقيق ، والانصياع إلى السنن والتقاليد بدلاً من الانصياع إلى الحقائق والواقع .
لقد وردت بهذا الخصوص آيات متعدّدة في القرآن الكريم ، نذكر منها اثنتين على سبيل المثال ؛ قال سبحانه :
«وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلَى مَا أنزَلَ اللَّهُ وَإلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا» . ۲
يعني عندما يُقال للمحافظين الجامدين على السنن التقليدية الموروثة والمتّبعين للتقاليد والعادات والعقائد المأثورة عن الآباء والاُمّهات والأقوام والقبائل والمجتمع : تعالوا وانظروا ماذا يقول اللّه ورسوله ، لقد سمعتم كلام الجميع ، تعالوا واسمعوا كلامنا أيضا ، ثمّ تدارسوا وارجعوا إلى عقولكم فتبيّنوا ما الأصحّ فيما بين هذه الكلمات ، فإذا تبيّن لكم صدق ما يقول اللّه ورسوله فتقبّلوا كلامهما واعملوا به ، وإن رأيتم أنّ ما يقوله آباؤكم واُمّهاتكم أو سنن قومكم وقبيلتكم أو خطط أحزابكم وتنظيماتكم هو الصواب فاتّبعوهم ، فيجيبون على هذا الكلام المنطقي بقولهم : لسنا في حاجة لسماع كلام اللّه ورسوله ، وحسبنا ما اكتفيا به من عقائدنا التقليدية وسنننا الموروثة التي وصلتنا من آبائنا .