35
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

وهنا ، نصل إلى نكتة على غاية من الحسّاسية والدقّة ، فالقرآن الكريم يسعى لتطهير أذهان الناس من خيال توهّم المرء نفسه عالما ، ليجعلهم علماء واقعيين . إنّ القرآن يسعى إلى إنقاذ اتباع المدارس كافةً والمعتقدين بجميع العقائد من مرض المعرفة الخيالية الناشئة عن التقليد الأعمى ، والوصول بهم إلى المعرفة الحقيقية والعلم الواقعي ۱ ، ولهذا ، يحمل بشدّة على من يفضّلون التقليد على التحقيق ، والانصياع إلى السنن والتقاليد بدلاً من الانصياع إلى الحقائق والواقع .
لقد وردت بهذا الخصوص آيات متعدّدة في القرآن الكريم ، نذكر منها اثنتين على سبيل المثال ؛ قال سبحانه :
«وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلَى مَا أنزَلَ اللَّهُ وَإلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا» . ۲
يعني عندما يُقال للمحافظين الجامدين على السنن التقليدية الموروثة والمتّبعين للتقاليد والعادات والعقائد المأثورة عن الآباء والاُمّهات والأقوام والقبائل والمجتمع : تعالوا وانظروا ماذا يقول اللّه ورسوله ، لقد سمعتم كلام الجميع ، تعالوا واسمعوا كلامنا أيضا ، ثمّ تدارسوا وارجعوا إلى عقولكم فتبيّنوا ما الأصحّ فيما بين هذه الكلمات ، فإذا تبيّن لكم صدق ما يقول اللّه ورسوله فتقبّلوا كلامهما واعملوا به ، وإن رأيتم أنّ ما يقوله آباؤكم واُمّهاتكم أو سنن قومكم وقبيلتكم أو خطط أحزابكم وتنظيماتكم هو الصواب فاتّبعوهم ، فيجيبون على هذا الكلام المنطقي بقولهم : لسنا في حاجة لسماع كلام اللّه ورسوله ، وحسبنا ما اكتفيا به من عقائدنا التقليدية وسنننا الموروثة التي وصلتنا من آبائنا .

1.راجع : ص ۶۵ «الفصل الرابع : تصحيح العقيدة».

2.المائدة : ۱۰۴ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
34

«وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» . ۱
فهذه الآية الكريمة توصي الإنسان بما يصدر عن العقل من حكم صريح ، بمعنى : أيّها الانسان ، اتّبع نداء الضمير وما يُصدر العقل من أمر صريح واضح في المسائل العقيدية ، وإيّاك والتقليد الأعمى ، وما لم يتحقّق لديك الوعي بصحّة أيّ نظرية مّا لا تجعلها معياراً وملاكا لأعمالك ولا تتّبعها .
وآية اُخرى :
«إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . ۲
الصمّ والبكم في هذه الآية ليسوا مَن فقدوا حاسّة السمع وخرسوا عن الكلام ، وإنّما هم مَن تصفهم الآية بأنهم «لَا يَعْقِلُونَ» أي : ليسوا من أهل التعقّل والتفكير في المسائل العقائدية ، وهُمْ من اُشير إليهم في آية اُخرى بقوله :
«لَهُـمْ قُلُوبٌ لَايَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أعْيُنٌ لَايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَايَسْمَعُونَ بِهَا» . ۳
لهم قلوبٌ لا يصلون بها إلى الوعي والمعرفة ، ولهم عيونٌ لاترى الحقيقة ، ولهم آذانٌ لاتعي كلام الحقّ ، فالمقصود إذاً الذين يتّبعون الآخرين وهم غاضّي بصرهم وصامّي آذانهم وحابسي ألسنتهم ، المتّبعون عقائد الأغيار بدون دليل أو برهان ، بدلاً من أن يتّبعوا عقولهم وتفكيرهم الذاتي .
وهكذا ، يحرّر القرآن الكريم يد الإنسان ورجله من أصفاد التقليد الأعمى ، ويعتقُ البشر من أغلال الرقّ الفكري للآخرين ، ويمنح أفراد المجتمع كلّاً على حدة استقلاله الفكري وحقّه في إبداء رأيه وإظهار وجهة نظره ، حتّى إذا ما حرّر الناس من ربقة التقليد العقيدي أهاب بهم إلى التأمّل والتحقيق .

1.الإسراء : ۳۶ .

2.الأنفال : ۲۲ .

3.الأعراف : ۱۷۹ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199271
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي