393
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

وقَد يَقدِرُ عَلى قَضائِهِ ، فَلا يَزالُ يُدافِعُ بِذلِكَ حَتّى يَحِلَّ الأَجَلُ وقَد نَفِدَ المالُ فَيَبقَى الدَّينُ قائِما عَلَيهِ . فَكانَ خَيرُ الأَشياءِ لِلإِنسانِ أن يُستَرَ عَنهُ مَبلَغُ عُمُرِهِ ، فَيَكونَ طولَ عُمُرِهِ يَتَرَقَّبُ المَوتَ ، فَيَترُكَ المَعاصِيَ ويُؤثِرَ العَمَلَ الصّالِحَ .
فَإِن قُلتَ : وها هُوَ الآنَ قَد سُتِرَ عَنهُ مِقدارُ حَياتِهِ ، وصارَ يَتَرَقَّبُ المَوتَ في كُلِّ ساعَةٍ ، يُقارِفُ الفَواحِشَ ويَنتَهِكُ المَحارِمَ !
قُلنا : إنَّ وَجهَ التَّدبيرِ في هذَا البابِ هُوَ الَّذي جَرى عَلَيهِ الأَمرُ فيهِ ، فَإِن كانَ الإِنسانُ مَعَ ذلِكَ لا يَرعَوي ولا يَنصَرِفُ عَنِ المَساوىَ فَإِنَّما ذلِكَ مِن مَرَحِهِ ومِن قَساوَةِ قَلبِهِ لا مِن خَطَاً فِي التَّدبيرِ ؛ كَما أنَّ الطَّبيبَ قَد يَصِفُ لِلمَريضِ ما يَنتَفِعُ بِهِ ، فَإِن كانَ المَريضُ مُخالِفا لِقَولِ الطَّبيبِ لا يَعمَلُ بِما يَأمُرُهُ ولا يَنتَهي عَمّا يَنهاهُ عَنهُ لَم يَنتَفِع بِصِفَتِهِ ، ولَم يَكُنِ الإِساءَةُ في ذلِكَ لِلطَّبيبِ ، بَل لِلمَريضِ حَيثُ لَم يَقبَل مِنهُ . ولَئِن كانَ الإِنسانُ مَعَ تَرَقُّبِهِ لِلمَوتِ كُلَّ ساعَةٍ لا يَمتَنِعُ عَنِ المَعاصي فَإِنَّهُ لَو وَثِقَ بِطولِ البَقاءِ كانَ أحرى بِأَن يَخرُجَ إلَى الكَبائِرِ الفَظيعَةِ ، فَتَرَقُّبُ المَوتِ عَلى كُلِّ حالٍ خَيرٌ لَهُ مِنَ الثِّقَةِ بِالبَقاءِ ، ثُمَّ إنَّ تَرَقُّبَ المَوتِ وإن كانَ صِنفٌ مِنَ النّاسِ يَلهَونَ عَنهُ ولا يَتَّعِظونَ بِهِ ، فَقَد يَتَّعِظُ بِهِ صِنفٌ آخَرُ مِنهُم ويَنزَعونَ عَنِ المَعاصي ، ويُؤثِرونَ العَمَلَ الصّالِحَ ، ويَجودونَ بِالأَموالِ وَالعَقائِلِ النَّفيسَةِ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الفُقَراءِ وَالمَساكينِ ، فَلَم يَكُن مِنَ العَدلِ أن يُحرَمَ هؤُلاءِ الاِنتِفاعَ بِهذِهِ الخَصلَةِ لِتَضييعِ اُولئِكَ حَظَّهُم مِنها. ۱

راجع: ج 2 ص 287 (السؤال عمّا قد يضرّ جوابه) .

1.بحار الأنوار: ج ۳ ص ۸۳ نقلاً عن الخبر المشتهر بتوحيد المفضّل .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
392

وأقبَحُ وأبشَعُ لَو خَرَجَ المَولودُ مِن بَطنِ اُمِّهِ ، وهُوَ يَعقِلُ أن يَرى مِنها ما لا يَحِلُّ لَهُ ولا يُحسِنُ بِهِ أن يَراهُ ، أفَلا تَرى كَيفَ اُقيمَ كُلُّ شَيءٍ مِنَ الخِلقَةِ عَلى غايَةِ الصَّوابِ وخَلا مِنَ الخَطَاَ دَقيقُهُ وجَليلُهُ؟!
تَأَمَّلِ الآنَ ـ يا مُفَضَّلُ ـ ما سُتِرَ عَنِ الإِنسانِ عِلمُهُ مِن مُدَّةِ حَياتِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَو عَرَفَ مِقدارَ عُمُرِهِ وكانَ قَصيرَ العُمُرِ لَم يَتَهَنَّأ بِالعَيشِ مَعَ تَرَقُّبِ المَوتِ وتَوَقُّعِهِ لِوَقتٍ قَد عَرَفَهُ ، بَل كانَ يَكونُ بِمَنزِلَةِ مَن قَد فَني مالُهُ أو قارَبَ الفَناءَ فَقَدِ استَشعَرَ الفَقرَ وَالوَجَلَ مِن فَناءِ مالِهِ وخَوفِ الفَقرِ ، عَلى أنَّ الَّذي يَدخُلُ عَلَى الإِنسانِ مِن فَناءِ العُمُرِ أعظَمُ مِمّا يَدخُلُ عَلَيهِ مِن فَناءِ المالِ ؛ لِأَنَّ مَن يَقِلُّ مالُهُ يَأمُلُ أن يُستَخلَفَ مِنهُ فَيَسكُنَ إلى ذلِكَ ، ومَن أيقَنَ بِفَناءِ العُمُرِ استَحكَمَ عَلَيهِ اليَأسُ وإن كانَ طَويلَ العُمُرِ ، ثُمَّ عَرَفَ ذلِكَ وَثِقَ بِالبَقاءِ وَانهَمَكَ فِي اللَّذّاتِ وَالمَعاصي ، وعَمِلَ عَلى أنَّهُ يَبلُغُ مِن ذلِكَ شَهوَتَهُ ، ثُمَّ يَتوبُ في آخِرِ عُمُرِهِ ، وهذا مَذهَبٌ لا يَرضاهُ اللّهُ مِن عِبادِهِ ولا يَقبَلُهُ . . .
فَإِن قُلتَ : أوَلَيسَ قَد يُقيمُ الإِنسانُ عَلَى المَعصِيَةِ حينا ، ثُمَّ يَتوبُ فَتُقبَلُ تَوبَتُهُ ؟!
قُلنا : إنَّ ذلِكَ شَيءٌ يَكونُ مِنَ الإِنسانِ لِغَلَبَةِ الشَّهَواتِ وتَركِهِ مُخالَفَتَها مِن غَيرِ أن يُقَدِّرَها في نَفسِهِ ويَبنِيَ عَلَيهِ أمرَهُ فَيَصفَحُ اللّهُ عَنهُ ويَتَفَضَّلُ عَلَيهِ بِالمَغفِرَةِ ، فَأَمّا مَن قَدَّرَ أمرَهُ عَلى أن يَعصِيَ ما بَدا لَهُ ، ثُمَّ يَتوبَ آخِرَ ذلِكَ فَإِنَّما يُحاوِلُ خَديعَةَ مَن لا يُخادَعُ بِأَن يَتَسَلَّفَ التَّلَذُّذَ فِي العاجِلِ ويَعِدَ ويُمَنِّيَ نَفسَهُ التَّوبَةَ فِي الآجِلِ ، ولِأَنَّهُ لا يَفي بِما يَعِدُ مِن ذلِكَ فَإِنَّ النُّزوعَ مِنَ التَّرَفُّهِ وَالتَّلَذُّذِ ومُعاناةِ التَّوبَةِ ـ ولا سِيَّما عِندَ الكِبَرِ وضَعفِ البَدَنِ ـ أمرٌ صَعبٌ ، ولا يُؤمَنُ عَلَى الإِنسانِ مَعَ مُدافَعَتِهِ بِالتَّوبَةِ أن يُرهِقَهُ المَوتُ فَيَخرُجَ مِنَ الدُّنيا غَيرَ تائِبٍ ، كَما قَد يَكونُ عَلَى الواحِدِ دَينٌ إلى أجَلٍ

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195324
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي