43
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

فكان الإمام عليه السلام يتحرّق ألما وهو يشاهد المساعيَ والجهودَ التي بذلها نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله والمحبّون المخلصون للإسلام ، في سبيل تشكيل الحكومة والمجتمع الذي يعنيه الإسلام تُمْنَى بالفشل ، وذلك نتيجةً لسلوك اُناسٍ كانوا يوما من الأيام يحاربون معه وفي صفّه جنبا إلى جنب!! وكان ممّا يزيد في ألمه عليه السلام أن يرى من المسلمين مَن لا يسمح لنفسه بالتفكير حتّى يفهم ما إذا كان ما يقوله اُولئك الأشخاص صحيحا أم غير صحيح ، والطريق الذي سلكوه طريق حقٍّ أم طريق باطل ، وما إذا كان اُولئك الذين يتنحّطون للإسلام تحت رايته ينشدون الإسلام حقًّا أم أن الإسلام كان قنطرة الوصول إلى مآربهم الشخصية؟
لا شكَّ مطلقا في أنّ «الإمَّعين» أو قبيل الإمَّعة من المقلّدين العمى الصمّ للشخصيّات المنحرفة التِي كانت تعاصر الإمام كانوا أشدّ مثاراً لألمه من تلك الشخصيّات ذاتها ، إذ لولا هؤلاء الموالون لهم لما كانت سطوةٌ ولما استطاعوا شيئا .
لقد روي عن الإمام عليه السلام في الحكمة 147 في نهج البلاغة ، ما هو تحليل سياسي اجتماعي ، قصير عميق ، للمجتمع المعاصر للإمام عليه السلام . وما أجدر لهذا التحليل بأن يكون لمجتمعنا الحاضر أيضا رائداً أو مسلكا ومنهجا .
إنّ لهذا التحليل ميزتين تتطلّبان التأمّل :
إحداهما : أنّ الإمام ـ تعبيراً عن تحليله ـ يأخذ يد كميل وهو من خاصّة أصحابه ويخرج به إلى الصحراء ، وهناك يلقي على كميل بتوجّع وتأوّه مطالب تعليمية صوّرت ما كان في قلبه من لوعة الألم والحزن . ۱

1.قال كُميل بن زياد النخعي : أخذ بيدي أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخرجني إلى الجبّان ، فلمّا أصحر تنفّس الصعداء ، ثمّ : . . .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
42

فسوف ينكر نفس الحقيقة على نفس الاُسس بالذات «مَن دَخَلَ في أَمرٍ بِجَهلٍ خَرَجَ مِنهُ بِجَهلٍ» .
إنّ النقاط التي يشير إليها الإمام الصادق عليه السلام في كلامه حقائق أثبتتها التجربة وأيَّدها التاريخ ، فكم من اُناسٍ على مدى ألفٍ وأربعمئة سنة للإسلام دخلوا إلى الإسلام من مدخل تقليد الشخصيات ، ثمّ ارتدّوا على أعقابهم إثر تقليدهم لهؤلاء الشخصيّات أيضا .
وتاريخ الأديان السماوية يعرض لنا كيف أنّ تقليد الشخصيّات السياسية والدينيّة في الاُمور العقائدية ـ أو بعبارة اُخرى : داء التبعية والاحتذاء الأعمى أو وَطْ ءُ أعقاب الرجال ـ قد سدَّدَ أكثر الضربات إلى الأديان الإلهية ، وكم هي حلوة شيّقة دراسة تاريخ الأديان من هذا البُعد ، وكم هي ضرورية تعليمية ، ولكن لا مجال هنا لتناول هذا الأمر إذ إنّ بحثنا في هذا الفصل مقدمة لدراسة النصوص العقائدية في الإسلام ولذا نقتصر هنا على ذكر نموذج من اتباع الرجال في صدر الإسلام .

ظاهرة التبعية العمياء في صدر الإسلام

حَدَثَ إبَّان حكومة أميرالمؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنَّ جمعا غفيراً من المسلمين المعاصرين للإمام واكبوا عدّةً من الشخصيّات السياسية والدينية إذ ذاك ، ممّن عرفوا بالناكثين والقاسطين والمارقين ، وكردّ فعلٍ لابتلائهم بداء وط ء أعقاب الرجال تخلّوا عن الإسلام الحقّ ، ولم يكتفوا حتّى تحشّدوا لمناهضته ، وأصابوا النبتةَ الحديثة في جذرها ، بما لاتزال مرارته تؤثر في نفس المجتمع الإسلامي .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199110
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي