45
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

«عالِمٌ رَبّانِيٌ» .
المجموعة الثانية : وهم من لم يبلغوا الحقيقة بعدُ ، إلّا أنهم أهل تحقيق وتفكّر ، دائبون على طريق الحقيقة ، حتّى إذا ما بلغوها تحقّقت لهم النجاة ، وهم من عناهم الإمام بقوله «مُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ» .
والمجموعة الثالثة : وهم اُناس لاعرفوا الحقيقة فيكونوا علماء ربّانيين ، ولا هم أهل تحقيق وتفكّر ودأب على طريق الحقيقة حتّى يصدق عليهم الوصف بالمتعلّمين على سبيل النجاة ، وإنّما هم اُناسٌ لايتيحون لأنفسهم فرصة التفكير والتحقيق أو يجيزون لها ذلك أصلاً ، وقد عبّر الإمام عن هذا القبيل من الناس بقوله : «هَمَجٌ رَعَاعٌ» .
«همج» عند ابن الأثير ، تعني : الذباب الصغير الذي يحطُّ على وجوه الغنم والحمير ، وقيل : هو البعوض ۱ ، وأما «الرعاع» فقد ذهب الفيروز آبادي إلى أنّه من لا فؤاد له ولا عقل. ۲
لقد شبّه الإمام عليه السلام المجموعة الثالثة التي لا تكلّف خاطرها عناء التفكير والتحقيق بذباب أحمقَ يتطفّل على أحمق أكبر منه ليتغذّى عليه ، ذباب يندفع حيثما ارتفعت صيحة مّا دون أن يعرف صاحبها أو ما إذا كانت على حقّ أم على باطل ، فشأنها شأن الذباب تدفعه الريح حيثما هبّت يميل معها حيث تميل .
ويرى الإمام عليه السلام أن العلَّة في انحدار هؤلاء الناس إلى هذا الدرك من الضعة والدناءة هي عدم استضاءتهم وتنوّرهم بنور العلم ، وافتقارهم إلى عقيدةٍ وأفكارٍ تنبني على اُسس وطيدة .

1.النهاية : ج ۵ ص ۲۷۳ .

2.القاموس المحيط : ج ۳ ص ۳۰ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
44

أُخراهما : أنّ الإمام ـ قبل أن يتعرّض بالحديث لمجتمعه المعاصر ـ استهلّ كلامه بتنبيه كُميل إلى استعداد القلوب وسعتها للوعي ، وأنّ من الناس من لهم هذا الاستعداد ، ومنهم من ليس لهم ذلك ، وأنّ الفضل على قدر هذا الاستعداد .
فيتّضح أنّ الإمام لم ير مناسبة للتصريح بهذا الكلام الموجع لكلّ أحد ، فاستماع هذا الكلام يحتاج إلى استعداد لا يتوفّر في الجميع ، وإلّا فكيف يتكلّم الإمام عن عدد من المسلمين الصادقين ، اُولئك الذين عرفوا الإسلام حقّ المعرفة وظلّوا أوفياء له؟! وكيف يقول بأنّ أفراداً ـ مع ما لهم من تلك السابقة المشرقة في الإسلام ـ قد ودّعوا الإسلام لمجرّد أن هدَّد الخطر مصالحهم الشخصية؟! وكيف يقول بأنّ الكثيرين من أهل زمانه ممّن جذبتهم تنظيمات الشخصيّات البارزه في المجتمع باسم الإسلام ليسوا مسلمين ؟! ولم يفهموا الإسلام ، ودينهم معلّق بالشخصيّات التِي اعتقدوا بها واتّخذوها معياراً للحقّ والباطل .
وعلى أيّ حال ، فالتحليل المُفعم بالألم والذي كان يبوح به الإمام علي عليه السلام إلى كميل كونه يعي شكوى الإمام من مجتمعه المعاصر آنذاك يبدأ من قوله :
النّاسُ ثَلاثَةٌ : فَعالِمٌ رَبّانِيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ ، يَمِيلونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لَم يَستَضيؤوا بِنورِ عِلمٍ ، ولَم يَلجَؤُوا إِلى رُكنٍ وَثيقٍ.۱
فالإمام عليه السلام في هذا الكلام يقسّم الناس في مجتمعه أو مطلق الناس إلى ثلاث مجموعات :
المجموعة الأُولى : وهم من عرفوا الحقيقة ، فعقيدتهم وعملهم ومواقِفهم الفردية والاجتماعية على أساس المعايير الصحيحة ، وهم من عبّر الإمام عنهم بقوله

1.راجع : ج ۲ ص ۴۲ ح ۱۴۱۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 242937
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي