ومصداق ذلك فِرعَوْنُ وأتباعه الذين أخبر القرآن عنهم بأنّهم عرفوا الحقيقة وتيقّنوها بالأدّلة والبراهين الجليَّة التي أتى بها نبيّ اللّه موسى عليه السلام لإثبات وجود اللّه تعالى وإثبات نبوّته عليه السلام ولكنهم أبوا الاعتراف بالحقيقة وكذّبوه وأنكروا وجود اللّه عز و جل بدافع من استعلائهم واستكبارهم وطغيانهم وإجرامهم ، وهذا ما قاله القرآن عنهم :
«وَجَحَدُواْ بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أنفُسُهُمْ ظُـلْما وَ عُلُوًّا» . ۱
إنّ الأدلّة الواضحة التي أتى بها موسى عليه السلام ومنطقَه القويَّ ومعجزاتِه طمأنت فرعون وأتباعه إلى صدق موسى فيما يقول ، وإنّ اللّه الذي يتحدّث عنه موسى عليه السلام ويدّعي رسالته ويدعو الناس لعبادته هو خالق الكون وربُّ العالمين ، بَيدَ أنهم ـ رغم هذا اليقين والطمأنينة القلبية ـ أنكروا آيات اللّه وكذّبوا نبيَّهُ واعتبروا ربَّه اُسطورة! ألا يصحُّ لنا هنا أن نسأل : لماذا كان هذا؟!
فيجيب القرآن الكريم على هذا السؤال بأنّ السبب والدافع لهذا الإنكار هو الظلم وحبّ الاستعلاء . لقد كانوا يعلمون بأنّهم لو اعترفوا بصدق موسى عليه السلام وحقّانيته وبربّه الذي أرسله لوجب أن ينتهوا عن الظلم والإجرام وحبّ التعالي والرئاسة ، ولكن هيهات منهم ذلك! فأخفوا علمهم وحجبوا الحقيقة بستار الكفر وأنكروا آيات اللّه عز و جل .
لقد كان هذا في صدد الكافر غير الجاهل . أمّا الصورة الثانية فهي :
الجاهل الذي ليس كافراً
إنّ من لايعرف حقيقة مّا ولا يدّعي بأنّه يعرفها هو جاهلٌ وليس كافراً ، بعبارة اُخرى : إن من لايبدي رأيا فيما لايعرف أو يعترف بجهله فيه جاهلٌ وليس كافراً ؛