61
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

لأنـّه لم يُخفِ شيئا ، والكفر هو الإخفاء .
يقول الإمام الصادق عليه السلام بهذا الخصوص :
لَو أنَّ العِبادَ إِذا جَهِلوا وَقَفُوا ولَم يَجحَدوا لَم يَكفُروا.۱
يعني أنّ الكفر يتحقّق نتيجة لإنكار حقيقة مجهولة ، فاذا امتنع الإنسان عن إبداء الرأي في أمرٍ لايعرفه وانتهى عن إنكاره فهو ليس كافراً بتلك الحقيقة ؛ لأنّه سواء اعترف بجهله أو أمسك عن إبداء الرأي لم يُخفِ شيئا ، وعليه فإنّ مثل هذا الجاهل ليس كافراً وإن لم يكن مؤمنا .
روى أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام هو محمّد بن مسلم ، قال : كنتُ عند أبي عبداللّه عليه السلام جالسا عن يساره وزرارة عن يمينه ، فدخل عليه أبوبصير ، فقال : يا أبا عبداللّه ، ما تقول فيمن شكّ في اللّه ؟
فقال : كافر يا أبامحمّد .
قال : فشكّ في رسول اللّه ؟
فقال : كافر .
قال : ثُمَّ التفت [الإمام] إلى زرارة ، فقال :
إِنَّما يَكفُرُ إِذا جَحَدَ.۲
أي : لو أنّ أحداً شكَّ في وجود اللّه ولم ينكر وجوده عز و جل فليس كافراً ، إنّما الكافر مَن ينكر وجود اللّه تعالى مع قيام الشكّ في نفسه وعجزه عن الاستدلال على عدم وجوده سبحانه وتعالى .

1.راجع : ج ۲ ص ۴۱۹ ح ۲۹۷۶ .

2.الكافي : ج ۲ ص۳۹۹ ح ۳ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
60

ومصداق ذلك فِرعَوْنُ وأتباعه الذين أخبر القرآن عنهم بأنّهم عرفوا الحقيقة وتيقّنوها بالأدّلة والبراهين الجليَّة التي أتى بها نبيّ اللّه موسى عليه السلام لإثبات وجود اللّه تعالى وإثبات نبوّته عليه السلام ولكنهم أبوا الاعتراف بالحقيقة وكذّبوه وأنكروا وجود اللّه عز و جل بدافع من استعلائهم واستكبارهم وطغيانهم وإجرامهم ، وهذا ما قاله القرآن عنهم :
«وَجَحَدُواْ بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أنفُسُهُمْ ظُـلْما وَ عُلُوًّا» . ۱
إنّ الأدلّة الواضحة التي أتى بها موسى عليه السلام ومنطقَه القويَّ ومعجزاتِه طمأنت فرعون وأتباعه إلى صدق موسى فيما يقول ، وإنّ اللّه الذي يتحدّث عنه موسى عليه السلام ويدّعي رسالته ويدعو الناس لعبادته هو خالق الكون وربُّ العالمين ، بَيدَ أنهم ـ رغم هذا اليقين والطمأنينة القلبية ـ أنكروا آيات اللّه وكذّبوا نبيَّهُ واعتبروا ربَّه اُسطورة! ألا يصحُّ لنا هنا أن نسأل : لماذا كان هذا؟!
فيجيب القرآن الكريم على هذا السؤال بأنّ السبب والدافع لهذا الإنكار هو الظلم وحبّ الاستعلاء . لقد كانوا يعلمون بأنّهم لو اعترفوا بصدق موسى عليه السلام وحقّانيته وبربّه الذي أرسله لوجب أن ينتهوا عن الظلم والإجرام وحبّ التعالي والرئاسة ، ولكن هيهات منهم ذلك! فأخفوا علمهم وحجبوا الحقيقة بستار الكفر وأنكروا آيات اللّه عز و جل .
لقد كان هذا في صدد الكافر غير الجاهل . أمّا الصورة الثانية فهي :

الجاهل الذي ليس كافراً

إنّ من لايعرف حقيقة مّا ولا يدّعي بأنّه يعرفها هو جاهلٌ وليس كافراً ، بعبارة اُخرى : إن من لايبدي رأيا فيما لايعرف أو يعترف بجهله فيه جاهلٌ وليس كافراً ؛

1.النمل : ۱۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195381
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي