63
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

الجاهل الكافر

لو أنّ الكافر كان يعرف الحقيقة لَما كان جاهلاً ، ولو أنّ الجاهل لم يُخفِ جهله لَما كان كافرا . فإن أخفى الجاهل جهله فقد اجتمع فيه الجهل والكفر .
وعليه ، فإنّ الجاهل الكافر هو من يبدي رأيه فيما لايعرف .
وعندما نتعرّض بالبحث لموضوع معرفة اللّه تعالى سنوضّح أنّ منكري وجود اللّه عز و جلحتّى لو افترضنا جدلاً أنّهم أتوا بأدلّة صحيحة فإنّهم ما برهنوا في النهاية إلّا على شيءٍ واحدٍ ، هو أنَّ الإنسان لايجد سبيلاً لمعرفة ماوراء المادة ، أي : ليس في مقدوره أن يفهم ما إذا كان هناك شيء آخر وراء الطبيعة المحسوسة أم لا . ۱
ولو أنّهم اعترفوا بجهلهم لم يكونوا كفّاراً ، ولكنّهم لا يقفون عند عدم الاعتراف بجهلهم فحسب ، بل يتجاوزونه إلى قطاف ثمرة الجهل ، ممّا يعتبرونه في نظرهم على أنّه هو العلم ، فيتّخذون من جهلهم أساسا لنظريّتهم بالنسبة للمسائل الميتافيزيقية وماوراء الطبيعة ، فإذا برأيهم أنّه لا وجود لشيءٍ أصلاً إلّا للطبيعة المحسوسة .
وهكذا ، يتواءم الجهل والكفر ، فيخفي الإنسان جهله بعلم مزعوم .

الفاصل بين الإيمان والكفر

في المقام تجب الإجابة على السؤال التالي ، حيث ينبغي القول استنادا إلى ما مرّ في بيان العلاقة بين الجهل والكفر : إنّ هناك فاصلاً بين الكفر والإيمان ، وإنّ الشخص الّذي يشكّ في اُصول الإسلام العقيدية مع عدم إنكاره لها لا يعدّ مسلما ولا كافرا ، في حين أنّه لا توجد الفاصلة المذكورة بين الكفر والإيمان من الناحية الفقهية ، فكلّ شخص غير مؤمنٍ فهو كافر ؟
للجواب على هذا السؤال نقول : إنّ ما يخضع للدراسة في هذا الموضوع ، هو العلاقة بين الجهل والكفر من الناحية المعرفية لا من الناحية الفقهية ، صحيح أنّه لا توجد فاصلة بين الإيمان والكفر من الناحية الفقهية استنادا إلى النصوص الكثيرة

1.راجع: ج ۳ ص ۶۵ ـ ۷۲ «العقل» .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
62

جاء في تفسير العيّاشي نقلاً عن الإمام الصادق أو الإمام الباقر عليهماالسلام ۱ في شأن إبراهيم عليه السلام لما جَنّ عليه اللّيل ورأى كوكبا ، قال : هذَا ربِّي .
إنَّما كانَ طالِبا لِرَبِّهِ ولَم يَبْلُغْ كُفراً ، وإنَّهُ مَن فَكَّرَ مِنَ النّاسِ في مِثلِ ذلِكَ فَإِنَّهُ بِمَنزِلَتِهِ.۲
أي: إنّ مَن يبحث ليحصل على معرفة اللّه تعالى ليس كافراً، بل هو كالنّبي إبراهيم عليه السلام .
وقد رويت عن الإمام عليّ عليه السلام في شأن الجاهل الذي لا يدّعي العلم رواية تسترعي النظر بما تتضمّنه من نقطة لطيفة ، وهي أنّه قال :
لَو أنَّ العِبادَ حينَ جَهِلوا وَقَفُوا لَم يَكفُروا ولَم يَضِلّوا.۳
أمّا النكتة الجديرة بالاهتمام في هذه الرواية فهي ـ طبقا لقول الإمام عليه السلام ـ أنّ توقّف الجاهلين عن إبداء الرأي بالنسبة للحقائق المجهولة لهم لا يقتصر على إعفائهم من داء الكفر فقط ، بل سيحول دون أن يضلّوا أيضا ، يعني أنّ الجاهل بتوقّفه وإمساكه عن إظهار نظره ، يجذبه التحقيق والبحث عن الحقيقة تدريجيًّا ، فإن استقرّ على طريق التحقيق وكان هدفه الوصول إلى الحقيقة فإنّه في مجال اُصول العقائد سينجو من الضلال ويظفر بالحقيقة بأيدٍ من الإمدادات الإلهية .
بعبارة اُخرى : كأنّ الإمام عليه السلام أراد أن يقول بأنّ أصل الضلال في العقيدة ومنشأه آراء جُهلاءَ غير متخصّصين . ولو أنّ هؤلاء الجُهلاء أمسكوا عن إبداء آرائهم أو إظهار نظرهم فيما لا علم لهم به لا قتلعت جذور الكفر والضلال من المجتمع البشري. ۴

1.راجع : ج ۲ ص ۴۱۹ ح ۲۹۷۶ .

2.الترديد من الراوي .

3.تفسير العيّاشي : ج ۱ ص۳۶۴ ح ۳۸ ، بحار الأنوار : ج ۱۱ ص ۸۷ ح ۱۰ . ومن عقائد الشيعة أنّ أنبياء اللّه عليهم السلام لم يكونوا كفّاراً أبداً في حياتهم ، وكذا آباؤهم .

4.راجع : ج ۲ ص ۱۶۳ «الفصل الأوّل : حجب العلم والحكمة» .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195303
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي