73
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

المنطقية .
أمّا المنطق الجديد الذي يعرضه بيكن لقياس الخطأ في مواد الاستدلال ولوازمه فيتمثّل في اتّقاء موانع كشف الحقيقة ، هذه الموانع التي يعبّر عنها بالأوثان الطائفية ، والأوثان الشخصية ، والأوثان السوقية ، والأوثان المسرحية .
فالإنسان مواجهٌ أثناء تحصيل العلم مشاكل وعقبات لابُدّ من تجنّبها ، أهمّها تلك الأخطاء التي يُبتلى الذهن بها ، ونظراً لأنّ هذه الأخطاء مدعاة للإضلال فقد اعتبرها أوثانا أو أصناما وقسّمها إلى أربعة اقسام :
القسّم الأوّل : الأوثان الطائفية . أي : الأخطاء التي هي من خصائص الطبع البشري ، فكما أنّ المرايا المعوجَّة غير المستوية تكسر الأشعة الضوئية وتجعلها عوجاء منحرفة وتعكس الصور قبيحة مشوّهة فذهن الإنسان أيضا شأنه شأن هذه المرايا في تحريف المحسوسات والمعقولات وضياعها . . . مثلاً ، لو تصادف أنّ حُلْما من الأحلام قد تحوّل إلى حقيقة لصار مرجعا للذهن ، أمّا إذا لم يتحوّل الحلم إلى حقيقة فالذهن لا يذكره ولورآه مئة مرّة ولا يبني عليه ، وإنّما يتمسّك بما سبق أن اعتقد به ويتعصّب له ، وغالبا ما يفقد الإنصاف فيحكم حسب عواطفه ونفسيّاته ، ويتدخّل الغرور والنخوة والهلع والغضب والشهوة في آرائه بصورة تامّة ، فحواسّ الإنسان هي الاُخرى وإن كانت قاصرة معرّضة للخطأ . ثمَّ لا يجد الإنسان في نفسه رغبةً في إصلاح خطئها بالتأمّل والتمحيص ، بل يقتصر على رؤية ظاهر الأشياء ولا يسبر أغوارها .
القسم الثاني : ويشمل الأوثان الشخصية أي : الأخطاء التي يرتكبها الشخص استجابةً لما تقتضيه طبيعته ، كأن يتعلّق الإنسان بشيء ويجعل ذلك الشيء أساسا أو ركيزةً يبني عليها عقائده ، كما حدث مع أرسطو ، فقد كان مولعا بالمنطق ، فبنى


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
72

لدينا خطأً فالنتيجة بطبيعة الحال خطأ أيضا ، والحاصل هو الضلال عن الحقيقة بدلاً من الاهتداء إليها ، ومن ثَمَّ ، ما أكثر ما أخطأ طلّاب العلم رغم وقوفهم التامّ على قواعد المنطق!!
لقد أعلن ديكارت في بيانه الواضح ما أعلن فرنسيس بيكن بتأسيسه للأرغنون الجديد ۱ ، أنهما قد وضعا منطقا جديداً .
لقد اجتهد كلّ من العالم الإنجليزي بيكن، والفيلسوف الفرنسي ديكارت، للتأكيد على أنّ منطق ارسطاطاليس وسيلةٌ لكشف المجهولات ، وأنّ المدرسين (سكولاستكس) لا يجوز لهم في طريق المعرفة أن يُضيعوا معظم أوقاتهم فيما يولونه من أهمّية. ۲
وهكذا تنبّه كلّ من بيكن وديكارت إلى إمكان حدوث الخطأ في الاستدلال عن طريقين :
1 . المقدّمات التي يفترضها الذهن على أنها معلومة ثمّ يتّخذها أساسا لبناء الاستدلال عليها ، على حين أنها لا تخرج عن كونها مواد ولوازم لبناء الاستدلال .
2 . الشكل والصورة والنظم والترتيب التي يكيّف فيها الذهن مواد الاستدلال ولوازمه .
إنّ مقياس الخطأ في منطق أرسطو مرتبط بصورة الاستدلال ، ولذلك سمّي منطق أرسطو المنطق الصوري ، أو منطق الصورة ، فلم يأخذ هذا المنطق قياس الخطأ في المواد واللوازم ، بعين الاعتبار ، على حين أنّ المهمّ للوقاية من الخطأ في الفكر ولتصحيح العقيدة هو قياس الخطأ في المقدّمات والمواد الاُولى للقياس ، ذلك لأنّ العقل السليم يصطنع القواعد المنطقية بالفطرة ، رغما عن عدم احتوائه للمصطلحات

1.الأرغَنونُ الجديد اسم كتاب لم يتم لبيكن .

2.سير حكمت در اروپا (بالفارسية) : ج ۱ ص ۱۳۶ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 199310
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي