81
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

«فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ اُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ اُوْلَئِكَ هُمْ اُوْلُواْ الْأَلْبَـبِ» . ۱
نفهم من هذه الآية أنّ أصحاب الفكر الذين نعموا بهُدى اللّه ووصايا القرآن والإسلام هم أولئك الذين يستمعون القول ، أيًّا كان قائله ، وبعد تحليله والتحقيق فيه ، يتّبعون أحسنه وأسَدَّه وأفضله .
وبإلهامٍ من هذه الآية الكريمة جاء صراحةً فيما رواه في كنزالعمّال عن النبي صلى الله عليه و آله وروي فِي غرر الحكم عن أميرالمؤمنين عليه السلام أن :
لا تَنظُر إِلى مَن قالَ وَانظُر إِلى ما قالَ.۲
ويُروى عن نبيّ اللّه عيسى عليه السلام أنّه قال :
خُذُوا الحَقَّ مِن أَهلِ الباطِلِ ، ولا تَأخُذُوا الباطِلَ مِن أَهلِ الحَقِّ ، كونوا نُقّادَ الكَلامِ.۳
وهذا إن دلَّ فإنّما يدلّ على أنّه لا يجوز للمسلم أن يدفعه التعصّب لرفض سماع القول الحقّ من الآخرين ، وذلك لمجرّد كونهم ليسوا مسلمين ، وأنّ عقائدهم باطلة فاسدة ، أو لقبول الباطل ممّن يشاركونه في العقيدة ، فواجب المسلم هو نقد القول الصادر عن أيّ قائل كان ، بعد دراسته دراسة دقيقةً ضافية ، بغضّ النظر عن موقفه العامّ بالنسبة للحقّ والباطل ، فإن كان قوله حقًّا وجب عليه قبوله ولو كان قائله من أهل الباطل ، وإن كان باطلاً وجب عليه رفضه وإن كان قائله من أهل الحقّ ، ومهما يكن فإنّ المقياس هو الحقّ وليس القائل . وما الإسلام إلّا الاستسلام للحقّ ، ولهذا

1.الزُمر : ۱۷ و ۱۸ .

2.غرر الحكم : ح ۱۰۱۸۹ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۵۱۷ ح ۹۳۷۶ ؛ كنز العمّال : ج ۱۶ ص ۲۶۹ ح ۴۴۳۹۷ نقلاً عن ابن السمعاني في الدلائل .

3.المحاسن : ج ۱ ص ۳۵۹ ح ۷۶۹ ، بحار الأنوار : ج ۲ ص ۹۶ ح ۳۹ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
80

فأول المتعصّبين في العالم اذاً هو الشيطان ، وتعصّبه من نوع التعصّب العرقي ، فعندما أمره اللّه أن يسجد لآدم : «أبَى وَاسْتَكْبَرَ» تعصّبا منه لعِرْقه ، حيث كان يفضّل عِرْقه على عِرْق آدم ، لأنه خُلق من نار وآدم خُلق من طين .

نتائج التعصّب

اِنّ من اُولى نتائج هذه الصفة الشيطانية وأكثرها خطراً على الإنسان فيما لو ترسّخت في كيانه أنها تصبغ عقيدته بما يروق له من صِبْغ ، بعبارة أخرى : إنّ التعصّب بشكل عامّ نوع من الأمراض النفسانية التي تحول دون وصول الإنسان في دراساته وتحليلاته وآرائه إلى ماهو حقٌ وصائبٌ ومطابقٌ للواقع ، وعليه ، فإنّ الإنسان المتعصّب لن يصل في نهاية المطاف إلَا إلى ما تمليه عليه خصيصة التعصّب .
فَداءُ التعصّب يدفع المصاب به إلى الحكم بملاك «القائل» بدل «القول» ، كما لا يتيح له فرصة التفكير في «القول» أحقٌّ هو أم باطل ، أصحيحٌ هو أم خطأ ، بل إنّه ليملي عليه أن ينظر إلى «القائل» فإن كان على غِرارِه فرأيهُ صائب ، وإلّا فرأيهُ غيرصحيح .
ونصيحة الإسلام لتصحيح العقيدة هي التخلّي عن التعصّب ۱ ، والعناية بقول القائل ، والتمعّن في فكرة صاحب العقيدة ، بغضّ النظر عنه شخصيا ، أيًّا كان هو ، وأيًّا كان رأي حزبه أو فرقته أو جماعته ، وسَواء أكان متّحداً معنا في المرام أم لا ، مسلما أم لا ، وأخيراً سيّان كان لنا صديقا أم عدوّاً .
وما أروعه وأوفاه معنى قوله تعالى :

1.راجع : ص ۳۰۳ «الفصل السادس : آفات العقل / الهوى» ، ج ۲ ص ۱۸۳ «التعصّب» .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195322
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي