95
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

هذه الحيثية كان كلّ من يسلك طريق معرفة الحقائق والعقائد العلمية ، يصل إلى أنّ معلوماته من الضآلة بحيث لا تعدّ شيئاً بالنسبة لما يجهله ، فلا يرى أنّه بهذا النزر اليسير من العلم لايستحقّ أن ينعت عالما فحسب ، بل إنّه ـ بمحاسبة دقيقة علميّة على أساس الواقع ـ لايرى لنفسه مكانا في مصافّ العلماء .
وإنّه هنا يشعر الإنسان أنّه كلّما ازداد علما اتّسعت الهوة بين ما علم وما جهل ، وبتعبير آخر : إنّ معدّل ارتفاع المستوى العلمي للإنسان متكافئ مع معدل الزيادة في مجهولاته .
فمن ليست لديه أيّ معرفة عن الإنسان ليس لديه أيّ مجهول في مجال علم الإنسان ، فلو أنك سألت جاهلاً : ما الإنسان؟ لأجابك : هذا واضحٌ جدّاً ، الإنسان هو الموجود الذي يمشي على رجليه هنا وهناك ، والإنسان يعني الإنسان ، وهذا السؤال أصلاً بلا معنى!! ولو أنك سألته : أتجهل شيئا مّا عن الإنسان؟ لأجابك : كلّا ، وفي رأيي أنّ الانسان قد عُرِفَ حتّى لم يعُد في حاجة إلى تفسير أو بيان!
أمَّا إذا بادر هذا الشخص بالتحقيق في علم الإنسان فإنّه كلّما اتّسع نطاق تحقيقه وتخصّصه في هذا العِلم ازدادت مجهولاته في مجال معرفة هذا الموجود العجيب المعقّد المعجون بالأسرار ، وكلّما تعمّق في وجود الإنسان اعترضته علامات استفهام أكثر فأكثر!
أجل ، الإنسان بالنسبة للجهلاء موجودٌ قد تمّت المعرفة به تماما . أمّا لدى عالم محقّق مثل البروفسور كارل الذي قضى عمراً يحقّق في فرع علم الإنسان فإنّ حاصل هذا العمر من التحقيق ونتيجته هو كتاب «الإنسان ذلك المجهول موجودٌ لم يُعرف» .
وليس الإنسان وحده هو الموجود الذي لم يُعرف بعدُ لدى العلماء الحقّ


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
94

الحقّ ، ثمّ نتناول ما ورد في كلامه عليه السلام من العلائم واحدةً واحدة بالدرس والبيان . قال أميرالمؤمنين عليه السلام :
إِنَّ العالِمَ مَن عَرَفَ أنَّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً فَازدادَ بِما عَرَفَ مِن ذلِكَ في طَلَبِ العِلمِ اجتِهاداً ، فَما يَزالُ لِلعِلمِ طالِبا ، وفيهِ راغِبا ، ولَهُ مُستَفيداً ، ولِأَهلِهِ خاشِعا ، ولِرَأيِهِ مُتَّهِما ، ولِلصَّمتِ لازِما ، ولِلخَطَاَ حاذِراً ، ومِنهُ مُستَحيِيا ، وإِن وَرَدَ عَلَيهِ ما لا يَعرِفُ لَم يُنكِر ذلِكَ لِما قَرَّرَ بِهِ نَفسَهُ مِنَ الجَهالَةِ.۱
نستنتج من بيان الإمام سبع علائم للعلماء الحقيقيين والعقائد العلمية ، هي : الاهتمام بالمجهول ، التعطّش المتنامي لاكتساب العِلم ، التواضع إزاء أهل العلم ، اتّهام الرأي الذاتي ، اختيار الصمت ، التحفّظ من الخطأ ، عدم إنكار المجهول .

1 . الاهتمام بالمجهولات

إنّ العلماء الحقّ وأصحاب الآراء والعقائد العلمية على العكس من العلماء الخياليّين والمبتلين بداء اعتبار النفس عالما ممّن لا تشغل دائرة أنظارهم إلّا معلوماتهم فحسب وهم غافلون عمّا جهلوا ، يرون ما يجعلون ، ولا يعتبرون معلوماتهم شيئا أمام ما يشاهدونه من مجهولاتهم العظيمة غير المتناهية ، وهذا القبيل من العلماء في نظر علي عليه السلام هم من يكلَّلون بلقب العالِم؛ وآراؤهم في المسائل العقلية معتبرة موثوقة :
إِنَّ العالِمَ مَن عَرَفَ أنَّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً.
فالعالِم الحقيقي كلّما تزداد معلوماته تزداد مجهولاته ، وكلّما يزداد عِلمه يزداد وعيا بأن معلوماته المحدودة لايمكن أن تقاس بمجهولاته غير المحدودة . ومن

1.راجع : ج ۲ ص ۴۲۷ ح ۳۰۲۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195219
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي