97
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

وروي عن ابن سينا أيضا : والقلب وإن بذل غاية جهده في هذا الوادي لم يعرف قيد شعرة رغم أنّه شق شعرة.
فاعتبار العالم الواقعي نفسه جاهلاً نسبيا لا يقتصر على سقراط وأبي عليوأمثالهما ، وإنّما ـ كما قال الإمام علي عليه السلام ـ هو من المميّزات الخاصّة بالعلماءالحقيقيين على الإطلاق بدون استثناء ، وما العالم إلّا هذا .
فلنرى ماذا يقول الإمام علي عليه السلام عن علمه ، وكيف يقارن بين ما يعلم وما يجهل : إنّ هذا الإمام الفذّ الّذي يقول :
سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني.۱
إنّ هذا الإمام العبقريّ الّذي يقول:
عِندي عِلمُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ.۲
إنّ هذا العالم الّذي تنقصفُ الأقلام وتكِلّ الألسن عن وصفه ولن تبلغ غايتها يقول:
اِندَمَجتُ عَلى مَكنونِ عِلمٍ لو بُحتُ بِهِ لَاضطَرَبتُمُ اضطِرابَ الأَرشيةِ فِي الطَّوِيِّ البَعيدَةِ.۳
إنّ هذا العالم العظيم، مع علمه الغزير هذا الّذييستهلك الأسماع دون وفاء الاستماع ، يعتبر ما يعلمه بالنّسبة لِما يجهل ، لا يُعدّ شيئا ، وعندما يتضرّع بالدّعاء إلى ربّه ، يقارن علمه بالعلم الّذي لا حصر له ، علمِ اللّه سبحانه ، فيُقرّ أمامه ويعترف بجهله .
ففي دعاء «يستشير» الذي ذكر عليه السلام بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله علَّمه اِيّاهُ وأوصاه أن يعلّمه

1.راجع: موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ج ۱۰ (القسم الحادي عشر / الفصل الرابع / القبس الثالث / الباب العاشر : سلوني قبل أن تفقدوني) .

2.موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ج ۱۰ (القسم الحادي عشر / الفصل الثالث : علم الشرائع : ح ۴۹۹۳) .

3.موسوعه الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ج ۱۰(القسم الحادي عشر/الفصل الثاني: لم يجد حملة لعلمه : ح۴۹۳۶).


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
96

الواقعيّين ، بل إنّ الموجودات في العالم على الإطلاق كائنا كائنا وذرَّةً ذرَّةً موجوداتٌ معقّدةٌ مشبّعةٌ بالأسرار ولم تُعرف أيضا ، وقيل : إنّ عالما فرنسيا يُدْعَى فيلسْتي دِي لامِنِهْ قال :
«لو أنّ أحداً استطاع أن يعرِّف حَبَّةَ الرمل وضعت اللّه في اختياره» .
اللّهمَّ لا حبّة الرمل الواحدة بل الذرَّة من ذرّاتها أيضا لا تزال تُعجِز الإنسان عن وضع تعريف دقيق لها ، أليس هذا ، ما نراه من أنّ العلم يكتشف كلّ يوم أسراراً جديدة داخل قلعة الذرّة وأسرارها المكنونة؟! أليس هذا إشارة إلى عجز العِلم حتّى الآن عن معرفة ذرَّة من ذرّات الوجود معرفةً كاملة؟!
ومن ثَمّ فإنّ الوجود قاطبةً ـ في نظر العالم الواقعي على خلافه في نظر العالم الخيالي ـ مليءٌ بالأسرار معقّد غير معروف ، وما ازداد العالم عِلما على علم إلّا ازداد معرفةً بأسرار الوجود وتعقيده ، ممّا يؤدّي إلى ظهور مزيد من العلامات المحتاجة للتحقيق ، كما يتّضح له مزيد من المجهول .
وبناءً عليه ، فكلّما ازدادت معلومات الإنسان ازدادت مجهولاته ، حتّى يرى العدد قاصراً عن بيان المسافة بين معلوماته ومجهولاته ، وذلك لأنّ معلوماته محدودة ومجهولاته لا تنتاهى ، والعدد عاجز عن إحصاء ما لا يتناهى ، وثمّة كان قول الإمام علي عليه السلام :
إِنَّ العالِمَ مَن عَرَف أَنّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً.
وهذا بعينه معنى القول المنسوب إلى سقراط :
بَلَغتُ مِنَ العِلمِ حَتّى عَلِمتُ أَنّي جاهِلٌ۱

1.هذه ترجمة لما نسب إلى سقراط شعرا ، وفيمايلي نصّه (بالفارسية) : تا به آنجا رسيد دانش من كه بدانم همى كه نادانم

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 195382
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي