125
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3

حَدِّهِ مِن مَعرِفَةِ الخالِقِ فَلا يَعدوهُ ، ولكِن يَعقِلُهُ بِعَقلٍ أقَرَّ أنَّ فيهِ نَفسا ولَم يُعايِنها ولَم يُدرِكها بِحاسَّةٍ مِنَ الحَواسِّ .
وعَلى حَسَبِ هذا أَيضا نَقولُ : إِنَّ العَقلَ يَعرِفُ الخالِقَ مِن جِهَةٍ توجِبُ عَلَيهِ الإِقرارَ ، ولا يَعرِفُهُ بِما يوجِبُ لَهُ الإِحاطَةَ بِصِفَتِهِ . . .
فَأَمّا أَصحابُ الطَّبائِعِ فَقالوا : إِنَّ الطَّبيعَةَ لا تَفعَلُ شَيئا لِغَيرِ مَعنىً ، ولا تَتَجاوَزُ عَمّا فيهِ تَمامُ الشَّيءِ في طَبيعَتِهِ ، وزَعَموا أنَّ الحِكمَةَ تَشهَدُ بِذلِكَ ، فَقيلَ لَهُم : فَمَن أَعطَى الطَّبيعَةَ هذِهِ الحِكمَةَ وَالوُقوفَ عَلى حُدودِ الأَشياءِ بِلا مُجاوَزَةٍ لَها ، وهذا قَد تَعجِزُ عَنهُ العُقولُ بَعدَ طولِ التَّجارِبِ ، فَإِن أَوجَبوا لِلطَّبيعَةِ الحكِمَةَ وَالقُدرَةَ عَلى مِثلِ هذِهِ الأَفعالِ فَقَد أَقَرّوا بِما أَنكَروا ؛ لِأَنَّ هذِهِ هِيَ صِفاتُ الخالِقِ ، وإِن أَنكَروا أن يَكونَ هذا لِلطَّبيعَةِ فَهذا وَجهُ الخَلقِ يَهتِفُ بِأَنَّ الفِعلَ لِلخالِقِ الحَكيمِ . ۱

۳۵۲۵.عنه عليه السلام :فَنَظَرَتِ العَينُ إِلى خَلقٍ مُختَلِفٍ مُتَّصِلٍ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، ودَلَّهَا القَلبُ عَلى أنَّ لِذلِكَ خالِقا ، وذلِكَ أنَّهُ فَكَّرَ حَيثُ دَلَّتهُ العَينُ عَلى ما عايَنَت مِن عِظَمِ السَّماءِ وَارتِفاعِها فِي الهَواءِ ، بِغَيرِ عَمَدٍ ولا دِعامَةٍ تُمسِكُها ، وأنَّها لا تَتَأَخَّرُ فَتَنكَشِطَ، ولاتَتَقَدَّمُ فَتَزولَ، ولاتَهبِطُ مَرَّةً فَتَدنُوَ، ولاتَرتَفِعُ فَلا تُرى. ۲

۳۵۲۶.عنه عليه السلامـ لِزِنديقٍ قالَ لَهُ : أَخبِرني أَيُّهَا الحَكيمُ ، ما بالُ السَّماءِ لا يَنزِلُ مِنها إِلَى الأَرضِ أَحدٌ ، ولا يَصعَدُ مِنَ الأَرضِ إِلَيها بَشَرٌ ، ولا طَريقٌ إِلَيها ولا مَسلَكٌ ، فَلَو نَظَرَ العِبادُ في كُلِّ دَهرٍ مَرَّةً مَن يَصعَدُ إِلَيها ويَنزِلُ لَكانَ ذلِكَ أَثبَتُ فِي الرُّبوبِيَّةِ ، وأَنفى لِلشَّكِّ وأَقوى لِليَقينِ ، وأَجدَرُ أن يَعلَمَ العِبادُ أنَّ هُناكَ مُدَبِّرا إِلَيهِ يَصعَدُ الصّاعِدُ ، ومِن عِندِهِ يَهِبطُ الهابِطُ ؟ ـ: إِنَّ كُلَّ ماتَرى فِيالأَرضِ مِنَ التَّدبيرِ إِنَّما هُوَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ ، ومِنها

1.بحار الأنوار : ج ۳ ص ۱۴۶ نقلاً عن الخبر المشتهر بتوحيد المفضّل .

2.تفسير نور الثقلين : ج ۴ ص ۱۹۵ ح ۱۶ نقلاً عن كتاب الإهليلجة وراجع بحار الأنوار : ج ۳ ص ۱۶۲ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
124

أَلَّفَهُ ونَظَمَهُ بَعضا إِلى بَعضٍ . ۱

۳۵۲۴.عنه عليه السلامـ أَيضا ـ: اِعلَم ـ يا مُفَضَّلُ ـ أنَّ اسمَ هذَا العالَم بِلِسانِ اليونانِيَّةِ الجارِيَ المَعروفَ عِندَهُم «قوسموس» وتَفسيرُهُ «الزّينَةُ» وكَذلِكَ سَمَّتهُ الفَلاسَفَةُ ومَنِ ادَّعَى الحِكمَةَ ، أفَكانوا يُسَمّونَهُ بِهذَا الاِسمِ إِلّا لِما رَأَوا فيهِ مِنَ التَّقديرِ وَالنِّظامِ ؟ فَلَم يَرضَوا أن يُسَمّوهُ تَقديرا ونِظاما حَتّى سَمَّوهُ زينَةً ؛ لِيُخبِروا أنَّهُ ـ مَعَ ما هُوَ عَلَيهِ مِنَ الصَّوابِ وَالإِتقانِ ـ عَلى غايَةِ الحُسنِ وَالبَهاءِ .
أَعجَبُ ـ يا مُفَضَّلُ ـ مِن قَومٍ لا يَقضونَ صَناعَةَ الطِّبِّ بِالخَطَاَ وهُم يَرَونَ الطَّبيبَ يُخطِئُ ، ويَقضون عَلَى العالَمِ بِالإِهمالِ ولا يَرَون شَيئا مِنهُ مُهمَلاً !
بَل أعجَبُ مِن أَخَلاقِ مَن ادَّعَى الحِكمَةَ حَتّى جَهِلوا مَواضِعَها فِي الخَلقِ ، فَأَرسَلوا أَلسِنَتَهُم بِالذَّمِّ لِلخالِقِ ـ جَلَّ وعَلا ـ !
بَلِ العَجَبُ مِنَ المَخذولِ «مانيّ» حينَ ادَّعى عِلمَ الأَسرارِ ، وعَمِيَ عَن دَلائِلِ الحِكمَةِ فِي الخَلقِ ، حَتّى نَسَبَهُ إِلَى الخَطَاَ، ونَسَبَ خالِقَهُ إِلَى الجَهلِ ، تَبارَكَ الحَليمُ الكَريمُ !
وأَعجَبُ مِنهُم جَميعا المُعَطِّلَةُ الَّذين راموا أن يُدرَكَ بِالحِسِّ ما لا يُدرَكُ بِالعَقلِ ، فَلَمّا أَعوَزَهُم ذلِكَ خَرَجوا إِلَى الجُحُودِ وَالتَّكذيبِ فَقالوا : ولِمَ لا يُدرَكُ بِالعَقلِ ؟
قيلَ : لِأَنَّهُ فَوقَ مَرتَبَةِ العَقلِ كَما لا يُدرِكُ البَصَرُ ما هُوَ فَوقَ مَرتَبَتِهِ ؛ فَإِنَّكَ لَو رَأَيتَ حَجَرا يَرتَفِعُ فِي الهَواءِ عَلِمتَ أنَّ رامِيا رَمى بِهِ ، فَلَيسَ هذَا العِلمُ مِن قِبَلِ البَصَرِ ، بَل مِن قِبَلِ العَقلِ ؛ لِأَنَّ العَقلَ هُوَ الَّذي يُمَيِّزُهُ ، فَيَعلَمُ أنَّ الحَجَرَ لا يَذهَبُ عُلوا مِن تِلقاءِ نَفسِهِ . أفَلا تَرى كَيفَ وَقَفَ البَصَرُ عَلى حَدِّهِ فَلَم يَتَجاوَزهُ ؟ فَكذلِكَ يَقِفُ العَقلُ عَلى

1.بحار الأنوار : ج ۳ ص ۶۱ نقلاً عن الخبر المشتهر بتوحيد المفضّل .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 116247
الصفحه من 488
طباعه  ارسل الي