131
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3

فِي الأَعضاءِ الَّتي وَسَطَ البَدَنِ كَالبَطنِ وَالظَّهرِ فَيَعسُرَ تَقَلُّبُها وَاطِّلاعُها نَحوَ الأَشياءِ ، فَلَمّا لَم يَكُن لَها في شَيءٍ مِن هذِهِ الأَعضاءِ مَوضِعٌ كانَ الرَّأسُ أَسنَى المَواضِعِ لِلحَواسِّ ، وهُوَ بِمَنزِلَةِ الصَّومِعَةِ لَها .
فَجَعَلَ الحَواسَّ خَمسا تَلقى خَمسا لِكَيلا يَفوتَها شَيءٌ مِنَ المَحسوساتِ ، فَخَلَقَ البَصَرَ لِيُدرِكَ الأَلوانَ ؛ فَلَو كانَتِ الأَلوانُ ولَم يَكُن بَصَرٌ يُدرِكُها لَم يَكُن مَنفَعَةٌ فيها ، وخَلَقَ السَّمعَ لِيُدرِكَ الأَصواتَ ؛ فَلَو كانَتِ الأَصواتُ ولَم يَكُن سَمعٌ يُدرِكُها لَم يَكُن فيها إِربٌ ، وكَذلِكَ سائِرُ الحَواسِّ . ثُمَّ هذا يَرجِعُ مُتَكافِئا ؛ فَلَو كانَ بَصَرٌ ولَم يَكُن ألوانٌ لَما كانَ لِلبَصَرِ مَعنىً ، ولَو كانَ سَمعٌ ولَم يَكُن أصواتٌ لَم يَكُن لِلسَّمعِ مَوضِعٌ .
فَانظُر كَيفَ قَدَّرَ بَعضَها يَلقى بَعضا فَجَعَلَ لِكُلِّ حاسَّةٍ مَحسوسا يَعمَلُ فيهِ ، ولِكُلِّ مَحسوسٍ حاسَّةً تُدرِكُهُ .
ومَعَ هذا فَقَد جُعِلَت أَشياءُ مُتَوَسِّطَةً بَينَ الحَواسِّ وَالمَحسوساتِ ، لا يَتِمُّ الحَواسُّ إِلّا بِها ، كَمِثلِ الضِّياءِ وَالهَواءِ ؛ فَإِنَّهُ لَو لَم يَكُن ضِياءٌ يُظهِرُ اللَّونَ لِلبَصَرِ لَم يَكُنِ البَصَرُ يُدرِكُ اللَّونَ ، ولَو لَم يَكُن هَواءٌ يُؤَدِّي الصَّوتَ إِلَى السَّمعِ لَم يَكُنِ السَّمعُ يُدرِكُ الصَّوتَ ، فَهَل يَخفى عَلى مَن صَحَّ نَظَرُهُ وأَعمَلَ فِكرَهُ أنَّ مِثلَ هذَا الَّذي وَصَفتُ من تَهيِئَةِ الحَواسِّ وَالمَحسوساتِ بَعضُها يَلقى بَعضا ، وتَهِيئَةِ أَشياءَ أُخَرَ بِها تَتِمُّ الحَواسُّ لا يَكونُ إِلّا بِعَمدٍ وتَقديرٍ مِن لَطيفٍ خَبيرٍ ؟ ۱

۳۵۳۹.الإمام الصادق عليه السلامـ في بَيانِ مَراحِلِ كَمالِ الطِّفلِ ـ: لَو كانَ المَولودُ يُولَدُ فَهِما عاقِلاً لَأَنكَرَ العالَمَ عِنَد وِلادَتِهِ، ولَبَقِيَ حَيرانَ تائِهَ العَقلِ إِذا رَأى ما لَم يَعرِف ووَرَدَ عَلَيهِ ما لَم يَرَ مِثلَهُ مِنِ اختِلافِ صُوَرِ العالَمِ مِنَ البَهائِمِ وَالطَّيرِ إِلى غَيرِ ذلِكَ مِمّا يُشاهِدُهُ

1.بحار الأنوار : ج ۳ ص ۶۹ عن المفضّل بن عمر في الخبر المشتهر بتوحيد المفضل .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
130

ثُمَّ أُخرِجتَ مِن مَقَرِّكَ إِلى دارٍ لَم تَشهَدها ، ولَم تَعرِف سُبُلَ مَنافِعِها ؛ فَمَن هَداكَ لِاجتِرارِ الغِذاءِ مِن ثَديِ أُمِّكَ ، وعَرَّفَكَ عِندَ الحاجَةِ مَواضِعَ طَلَبِكَ وَإِرادَتِكَ ؟ ۱

۳۵۳۸.بحار الأنوار عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام : فَكِّرـ يا مُفَضَّلُ ـفي أَعضاءِ البَدَنِ أَجمَعَ وتَدبيرِ كُلٍّ مِنها لِلإِربِ ۲ ؛ فَاليَدانِ لِلعِلاجِ ، وَالرِّجلانِ لِلسَّعيِ ، وَالعَينانِ لِلاِهتِداءِ ، وَالفَمُ لِلاِغتِذاءِ ، وَالمِعدَةُ لِلهَضمِ ، وَالكَبِدُ لِلتَّخليصِ ، وَالمَنافِذُ لِتَنفيذِ الفُضولِ ، وَالأَوعِيَةُ لِحَملِها ، وَالفَرجُ لِاءِقامَةِ النَّسلِ ، وكَذلِكَ جَميعُ الأَعضاءِ إِذا تَأَمَّلتَها وأَعمَلتَ فِكرَكَ فيها ونَظَرَكَ ؛ وَجَدتَ كُلَّ شَيءٍ مِنها قَد قُدِّرَ لِشَيءٍ عَلى صَوابٍ وحِكمَةٍ .
فَقُلتُ : يا مَولايَ ، إِنَّ قَوما يَزعُمونَ أنَّ هذا مِن فِعلِ الطَّبيعَةِ !
فَقالَ : سَلهُم عَن هذِهِ الطَّبيعَةِ ، أهِيَ شَيءٌ لَهُ عِلمٌ وقُدرَةٌ عَلى مِثلِ هذِهِ الأَفعالِ ، أم لَيسَت كَذلِكَ ؟ فَإِن أَوجَبوا لَهَا العِلمَ وَالقُدرَةَ فَما يَمنَعُهُم مِن إِثباتِ الخالِقِ فَإِنَّ هذِهِ صَنعَتُهُ؟ وإِن زَعَموا أنَّها تَفعَلُ هذِهِ الأَفعالَ بِغَيرِ عِلمٍ ولا عَمدٍ ، وكانَ في أَفعالِها ما قَد تَراهُ مِنَ الصَّوابِ وَالحِكمَةِ عُلِمَ أنَّ هذَا الفِعلَ لِلخالِقِ الحَكيمِ ، وأنَّ الَّذي سَمَّوهُ طَبيعَةً هُوَ سُنَّةٌ في خَلقِهِ الجارِيَةِ عَلى ما أَجراها عَلَيهِ ... .
أُنظُرِ الآنَ إِلى هذِهِ الحَواسِّ الَّتي خُصَّ بِهَا الإِنسانُ في خَلقِهِ وشُرِّفَ بِها عَلى غَيرِهِ ، كَيفَ جُعِلَتِ العَينانُ فِي الرَّأسِ كَالمَصابيحِ فَوقَ المَنارَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِن مُطالَعَةِ الأَشياءِ ، ولَم تُجعَل فِي الأَعضاءِ الَّتي تَحتَهُنَّ كَاليَدَينِ وَالرِّجلَينِ فَتَعرِضَهَا الآفاتُ ، وتُصيبَها مِن مُباشَرَةِ العَمَلِ وَالحَرَكَةِ ما يُعَلِّلُها ويُؤَثِّرُ فيها ويَنقُصُ مِنها ، ولا

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۳ ، بحار الأنوار : ج ۶۰ ص ۳۴۷ ح ۳۴ .

2.الإرْبُ : الحاجة (لسان العرب : ج ۱ ص ۲۰۸) .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 142005
الصفحه من 488
طباعه  ارسل الي