عَلى أَكتافِها ، فَجَّرَ يَنابيعَ العُيونِ مِن عَرانينِ أُنوفِها ، وفَرَّقَها في سُهوبِ بيدِها وأَخاديدِها ، وعَدَّلَ حَرَكاتِها بِالرّاسِياتِ مِن جَلاميدِها ، وذَواتِ الشَّناخيبِ الشُّمِّ مِن صَياخيدِها ، فَسَكَنَت مِنَ المَيَدانِ لِرَسوبِ الجِبالِ في قِطَعِ أَديمِها ، وتَغَلغُلِها مُتَسَرِّبَةً في جَوباتِ خَياشيمِها ، ورُكوبِها أَعناقَ سُهولِ الأَرَضينَ وجَراثيمِها .
وفَسَحَ بَينَ الجَوِّ وبَينَها ، وأَعَدَّ الهَواءَ مُتَنَسَّما لِساكِنِها ، وأَخرَجَ إِلَيها أَهلَها عَلى تَمامِ مَرافِقِها ، ثُمَّ لَم يَدَع جُرُزَ الأَرضِ الَّتي تَقصُرُ مِياهُ العُيونِ عَن رَوابيها ، ولا تَجِدُ جَداوِلُ الأَنهارِ ذَريعَةً إِلى بُلوغِها ، حَتّى أَنشَأَ لَها ناشِئَةَ سَحابٍ تُحيي مَواتَها ، وتَستَخرِجُ نَباتَها .
أَلَّفَ غَمامَها بَعدَ افتِراقِ لُمَعِهِ ، وتَبايُنِ قَزَعِهِ ، حَتّى إِذا تَمَخَّضَت لُجَّةُ المُزنِ فيهِ ، وَالتَمَعَ بَرقُهُ في كُفَفِهِ ، ولَم يَنَم وَميضُهُ في كَنَهوَرِ رَبابِهِ ۱ ، ومُتَراكِمِ سَحابِهِ ، أَرسَلَهُ سَحّا مُتَدارِكا ، قَد أَسَفَّ هَيدَبُهُ ، تَمريهِ الجَنوبُ دِررَ أَهاضيبِهِ ودُفَعَ شَابيبِهِ .
فَلَمّا أَلقَتِ السَّحابُ بَركَ بِوانَيها، وبَعاعَ مَا استَقَلَّت بِهِ مِنَ العِب ءِ المَحمولِ عَلَيها ، أَخرَجَ بِهِ مِن هَوامِدِ الأَرضِ النَّباتَ ، ومِن زُعرِ الجِبالِ الأَعشابَ ، فَهِيَ تَبهَجُ بِزينَةِ رِياضِها ، وتَزدَهي بِما أُلبِسَتهُ مِن رَيطِ أَزاهيرِها ، وحِليَةِ ما سُمِطَت بِهِ مِن ناضِرِ أَنوارِها ، وجَعَلَ ذلِكَ بَلاغا لِلأَنام ، ورِزقا لِلأَنعامِ، وخَرَقَ الفِجاجَ في آفاقِها، وأَقامَ المَنارَ لِلسّالِكينَ عَلى جَوادِّ طُرُقِها. ۲
۳۶۰۲.الإمام زين العابدين عليه السلامـ فِي الدُّعاءِ ـ: خَلَقتَنا بِقُدرَتِكَ ولَم نَكُ شَيئا ، وصَوَّرتَنا فِي الظَّلماءِ بِكُنهِ لُطفِكَ ، وأَنهَضتَنا إِلى نَسيمِ رَوحِكَ ، وغَذَوتَنا بِطيبِ رِزقِكَ ، ومَكَّنتَ لَنا