385
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3

وأَنَّ الفاعِلَ قَبلَ المَفعولِ ، وهذا يُبطِلُ قَولَكُم: إِنَّ الإِرادَةَ وَالمُريدَ شَيءٌ واحِدٌ . قالَ: ـ جُعِلتُ فِداكَ ! ـ لَيسَ ذاكَ مِنهُ عَلى ما يَعرِفُ النّاسُ ولا عَلى ما يَفقَهونَ .
قالَ عليه السلام : فَأَراكُمُ ادَّعَيتُم عِلمَ ذلِكَ بِلا مَعرِفَةٍ ، وقُلتُم: الإِرادَةُ كَالسَّمعِ وَالبَصَرِ إِذا كانَ ذلِكَ عِندَكُم عَلى ما لا يُعرَفُ ولا يُعقَلُ ! فَلَم يُحِر جَوابا .
ثُمَّ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، هَل يَعلَمُ اللّهُ عز و جل جَميعَ ما فِي الجَنَّةِ وَالنّارِ؟!
قالَ سُلَيمانُ: نَعَم .
قالَ: أَفَيَكونُ ما عَلِمَ اللّهُ عز و جل أَنَّهُ يَكونُ مِن ذلِكَ؟
قالَ: نَعَم .
قالَ: فَإِذا كانَ حَتّى لا يَبقى مِنهُ شَيءٌ إِلّا كانَ أَيَزيدُهُم أَو يَطويهِ عَنهُم ؟ قالَ سُلَيمانُ: بَل يَزيدُهُم .
قالَ: فَأَراهُ في قَولِكَ: قَد زادَهُم ، ما لَم يَكُن في عِلمِهِ أَنَّهُ يَكونُ .
قالَ: ـ جُعِلتُ فِداكَ ! ـ وَالمَزيدُ لا غايَةَ لَهُ .
قالَ عليه السلام : فَلَيسَ يُحيطُ عِلمُهُ عِندَكَم بِما يَكونُ فيهِما إِذا لَم يُعرَف غايَةُ ذلِكَ ، وإِذا لَم يُحِط عِلمُهُ بِما يَكونُ فيهِما لَم يَعلَم ما يَكونُ فيهِما قَبلَ أَن يَكونَ ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا .
قالَ سُلَيمانُ: إِنَّما قُلتُ: لا يَعلَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ لا غايَةَ لِهذا ، لِأَنَّ اللّهَ عز و جل وَصَفَهُما بِالخُلودِ وكَرِهنا أَن نَجعَلَ لَهُمَا انقِطاعا .
قالَ الرِّضا عليه السلام : لَيسَ عِلمُهُ بِذلِكَ بِموجِبٍ لِانقِطاعِهِ عَنهُم ؛ لِأَنَّهُ قَد يَعلَمُ ذلِكَ ثُمَّ


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
384

قالَ: لا .
قالَ عليه السلام : فَلَيسَ المُريدُ مِثلَ السَّميعِ وَالبَصيرِ .
قالَ سُلَيمانُ: إِنَّما أَرادَ نَفسُهُ ، كَما سَمِعَ نَفسُهُ وأَبصَرَ نَفسُهُ وعَلِمَ نَفسُهُ.
قالَ الرِّضا عليه السلام : ما مَعنى أَرادَ نَفسُهُ ؟ أَرادَ أَن يَكونَ شَيئا ، أَو أَرادَ أَن يَكونَ حَيّا ، أَو سَميعا أَو بَصيرا أَو قَديرا!
قالَ: نَعَم .
قالَ الرِّضا عليه السلام : أَفَبِإِرادَتِهِ كانَ ذلِكَ؟!
قالَ سُلَيمانُ: لا .
قالَ الرِّضا عليه السلام : فَلَيسَ لِقَولِكَ: أَرادَ أَن يَكونَ حَيّا سَمعيا بَصيرا مَعنىً إِذا لَم يَكُن ذلِكَ بِإِرادَتِهِ !
قالَ سُلَيمانُ: بَلى ، قَد كانَ ذلِكَ بِإِرادَتِهِ .
فَضَحِكَ المَأمونُ ومَن حَولَهُ وضَحِكَ الرِّضا عليه السلام ، ثُمَّ قالَ لَهُم: اِرفَقوا بِمُتُكَلِّمِ خُراسانَ . يا سُلَيمانُ ، فَقَد حالَ عِندَكُم عَن حالَةٍ وتَغَيَّرَ عَنها ، وهذا مِمّا لا يُوصَفُ اللّهُ عز و جل بِهِ . فَانقَطَعَ.
ثُمَّ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ، أَسأَ لُكَ مَسأَلَةً . قالَ: سَل ـ جُعِلتُ فِداكَ! ـ .
قالَ: أَخبِرني عَنكَ وعَن أَصحابِكَ تُكَلِّمونَ النّاسَ بِما يَفقَهونَ ويَعرِفونَ ، أَو بِما لا يَفقَهونَ ولا يَعرِفونَ؟!
قالَ: بَل ، بِما يَفقَهونَ ويَعرِفونَ .
قالَ الرِّضا عليه السلام : فَالَّذي يَعلَمُ النّاسُ أَنَّ المُريدَ غَيرُ الإِرادَةِ ، وأَنَّ المُريدَ قَبلَ الإِرادَةِ ،

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 145193
الصفحه من 488
طباعه  ارسل الي