313
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5

وخَدَّ ۱ أَودِيَتها ، فَلَم يَهِن ما بَناهُ ، ولا ضَعُفَ ما قَوّاهُ .
هُوَ الظّاهِرُ عَلَيها بِسُلطانِهِ وعَظَمَتِهِ ، وهُوَ الباطِنُ لَها بِعِلمِهِ ومَعرِفَتِهِ ، وَالعالي عَلى كُلِّ شَيءٍ مِنها بِجَلالِهِ وَعِزَّتِهِ ، لا يُعجِزُهُ شَيءٌ مِنها طَلَبَهُ ، ولا يَمتَنِعُ عَلَيهِ فَيَغلِبَهُ ، ولا يَفوتُهُ السَّريعُ مِنها فَيَسبِقَهُ ، ولا يَحتاجُ إِلى ذي مالٍ فَيَرزُقَهُ . خَضَعَتِ الأَشياءُ لَهُ ، وذَلَّت مُستَكينَةً لِعَظَمَتِهِ ، لا تَستطيعُ الهَرَبَ مِن سُلطانِهِ إِلى غَيرِهِ فَتَمتَنِعَ مِن نَفعِهِ وضَرِّهِ ، ولا كُف ءَ لَهُ فَيُكافِئَهُ ، ولا نَظيرَ لَهُ فَيُساوِيَهُ .
هُوَ المُفني لَها بَعدَ وُجودِها ، حَتّى يَصيرَ مَوجودُها كَمَفقودِها ، ولَيسَ فَناءُ الدُّنيا بَعدَ ابتِداعِها بِأَعجَبَ مِن إِنشائِها واختِراعِها ، وكَيفَ ولَوِ اجتَمَعَ جَميعُ حَيَوانِها مِن طَيرِها وبَهائِمِها ، وما كانَ مِن مُراحِها وسائِمِها ، وأَصنافِ أَسناخِها وأَجناسِها ، ومُتَبَلِّدَةِ أُمَمِها وأَكياسِها ، عَلى إِحداثِ بَعوضَةٍ ما قَدَرَت عَلى إِحداثِها ، ولا عَرَفَت كَيفَ السَّبيلُ إِلى إِيجادِها ، ولَتَحَيَّرَت عُقولُها في عِلمِ ذلِكَ وتاهَت ، وعَجَزَت قُواها وتَناهَت ، وَرَجَعت خاسِئَةً حَسيرَةً ، عارِفَةً بِأَنَّها مَقهورَةٌ ، مُقِرَّةً بِالعَجزِ عَن إِنشائِها ، مُذعِنَةً بِالضَّعفِ عَن إِفنائِها!
وإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يَعودُ بَعدَ فَناءِ الدُّنيا وَحدَهُ لا شَيءَ مَعَهُ ، كَما كانَ قَبلَ ابتِدائِها كَذلِكَ يَكونُ بَعدَ فَنائِها ، بِلا وَقتٍ ولا مَكانٍ ، ولا حينٍ ولا زَمانٍ ، عُدِمَت عِندَ ذلِكَ الآجالُ وَالأَوقاتُ ، وزالَتِ السِّنونَ وَالسَّاعاتُ ، فَلا شَيءَ إِلَا اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ الَّذي إِلَيهِ مَصيرُ جَميعِ الأُمورِ ، بِلا قُدرَةٍ مِنها كانَ ابتِداءُ خَلقِها ، وبِغَيرِ امتِناعٍ مِنها كانَ فَناؤُها ، ولَو قَدَرَت عَلَى الاِمتناعِ لَدامَ بَقاؤُها .
لَم يَتَكاءَدهُ صُنعُ شَيءٍ مِنها إِذ صَنَعَهُ ، ولَم يَؤُدهُ مِنها خَلقُ ما خَلَقَهُ وبَرَأَهُ ، ولَم

1.خَدَّ الأرضَ : شقّها (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۴۹۵) .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5
312

الَّذي لا يَحولُ ولا يَزولُ ، ولا يَجوزُ عَلَيهِ الاُفولُ . ۱ لَم يَلِد فَيَكونَ مَولودا ، ولَم يُولَد فَيَصيرَ مَحدودا ، جَلَّ عَنِ اتِّخاذِ الأَبناء ، وطَهُرَ عَن مُلامَسَةِ النِّساءِ .
لا تَنالُهُ الأَوهامُ فَتُقَدِّرَهُ ، ولا تَتَوَهَّمُهُ الفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ ، ولا تُدرِكُهُ الحَواسُّ فَتُحِسَّهُ ، ولا تَلمِسُهُ الأَيدي فَتَمَسَّهُ . ولا يَتَغَيَّرُ بِحالِ ، ولا يَتَبَدَّلُ فِي الأَحوالِ . ولا تُبليهِ اللَّيالي وَالأَيّامُ ، ولا يُغَيِّرُهُ الضِّياءُ وَالظَّلامُ . ولا يُوصَفُ بِشَيءٍ مِنَ الأَجزاءِ ، ولا بِالجَوارِحِ وَالأَعضاءِ ، ولا بِعَرَضٍ مِنَ الأَعراضِ ، ولا بِالغَيرِيَّةِ وَالأَبعاضِ .
ولا يُقالُ لَهُ حَدٌّ ولا نِهايةٌ ، ولَا انقِطاعٌ ولا غايَةٌ ؛ ولا أَنَّ الأَشياءَ تَحويهِ فَتُقِلَّهُ أَو تُهوِيَهُ ، أَو أَنَّ شَيئا يَحمِلُهُ فَيُميلَهُ أَو يُعَدِّلَهُ . لَيسَ فِي الأَشياءِ بِوالِجٍ ، ولا عَنها بِخارِجٍ . يُخبِرُ لا بِلسانٍ ولَهَواتٍ ، ويَسمَعُ لا بِخُروقٍ وأَدَواتٍ . يَقولُ ولا يَلفِظُ ، ويَحفَظُ ولا يَتَحَفَّظُ ، ويُريدُ ولا يُضمِرُ .
يُحِبُّ ويَرضى مِن غَيرِ رِقَّةٍ ، ويُبغِضُ ويَغضَبُ مِن غَيرِ مَشَقَّةٍ . يَقولُ لِمَن أَرادَ كَونَهُ : «كُن» فَيَكونُ ، لا بِصَوتٍ يَقرَعُ ، ولا بِنِداءٍ يُسمَعُ ؛ وإِنَّما كَلامُهُ سُبحانَهُ فِعلٌ مِنهُ أَنشَأَهُ ومَثَّلَهُ ، لَم يَكُن مِن قَبلِ ذلِكَ كائِنا ، ولَو كانَ قَديما لَكانَ إِلها ثانِيا .
لا يُقالُ : كانَ بَعدَ أَن لَم يَكُن ، فَتَجريَ عَلَيهِ الصِّفاتُ المُحدَثاتُ ، ولا يَكونُ بَينَها وبَينَهُ فَصلٌ ، ولا لَهُ عَلَيها فَضلٌ ، فَيَستَوِي الصَّانِعُ وَالمَصنوعُ ، ويَتَكافَأُ المُبتَدَعُ والبَديعُ . خَلَقَ الخَلائِقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ ، ولم يَستَعِن عَلى خَلقِها بِأَحدٍ مِن خَلقِهِ . وأَنشَأَ الأَرضَ فَأَمسَكَها مِن غَيرِ اشتِغالٍ ، وأَرساها عَلى غَيرِ قَرارٍ ، وأَقامَها بِغَيرِ قَوائِمَ ، ورَفَعَها بِغَيرِ دَعائِمَ ، وحَصَّنَها مِنَ الأَوَدِ وَالاِعوِجاجِ ، ومَنَعَها مِنَ التَّهافُتِ وَالاِنفِراجِ ، أَرسى أَوتادَها ، وضَرَبَ أَسدادَها ، وَاستَفاضَ عُيونَها ،

1.أفَلَ : غابَ (القاموس المحيط : ج ۳ ص ۳۲۸) .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 111553
الصفحه من 382
طباعه  ارسل الي