لَيسَ لَهُ حَدٌّ يُنتَهى إِلى حَدِّهِ ، ولا لَهُ مِثلٌ فَيُعرَفَ بِمِثلِهِ. ذَلَّ مَن تَجَبَّرَ غَيرَهُ ، وصَغُرَ مَن تَكَبَّرَ دونَهُ ، وتَواضَعَتِ الأَشياءُ لِعَظَمَتِهِ ، وَانقادَت لِسُلطانِهِ وعِزَّتِهِ ، وكَلَّت عَن إِدراكِهِ طُروفُ العُيونِ ، وقَصُرَت دونَ بُلوغِ صِفَتِهِ أَوهامُ الخَلائِقِ. الأَوَّلِ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ولا قَبلَ لَهُ ، وَالآخِرِ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ولا بَعدَ لَهُ ، الظّاهِرِ عَلى كُلِّ شَيءٍ بِالقَهرِ لَهُ ، وَالمُشاهِدِ لِجَميعِ الأَماكِنِ بِلَا انتِقالٍ إِلَيها ، لا تَلمِسُهُ لامِسَةٌ ولا تَحُسُّهُ حاسَّةٌ ، «هُوَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلَـهٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَـهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» . ۱ أَتقَنَ ما أَرادَ مِن خَلقِهِ مِنَ الأَشباحِ كُلِّها ، لا بِمِثالٍ سَبَقَ إِلَيهِ ، ولا لُغوبٍ ۲ دَخَلَ عَلَيهِ في خَلقِ ما خَلَقَ لَدَيهِ. ابتَدَأَ ما أَرادَ ابتِداءَهُ ، وأنشَأ ما أَرادَ إِنشاءَهُ عَلى ما أرادَ مِنَ الثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإِنسِ ؛ لِيَعرِفوا بِذلِكَ رُبوبِيَّتَهُ وتَمَكَّنَ فيهِم طاعَتُهُ.
نَحمَدُهُ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَميعِ نَعمائِهِ كُلِّها ، ونَستَهديهِ لِمَراشِدِ أُمورِنا ، ونَعوذُ بِهِ مِن سَيِّئاتِ أَعمالِنا ، ونَستَغفِرُهُ لِلذُّنوبِ الَّتي سَبَقَت مِنّا ، ونَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وأَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، بَعَثَهُ بِالحَقِّ نَبِيّا دالّاً عَلَيهِ وهادِيا إِلَيهِ ، فَهَدى بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وَاستَنقَذَنا بِهِ مِنَ الجَهالَةِ ، مَن يُطِعِ اللّهَ ورَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزا عَظيما ونالَ ثَوابا جَزيلاً ، ومَن يَعصِ اللّهَ ورَسولَهُ فَقَد خَسِرَ خُسرانا مُبينا وَاستَحَقَّ عَذابا أَليما .
فَأَنجِعوا ۳ بَما يَحِقُّ عَلَيكُم مِنَ السَّمعِ وَالطَّاعَةِ وإِخلاصِ النَّصيحَةِ وحُسنِ
1.الزخرف: ۸۴ .
2.اللُّغُوب : التعب والإعياء (الصحاح : ج ۱ ص ۲۲۰) .
3.فأنجِعوا: من قولهم: «أنجَعَ» أي أفلح ؛ أي أفلِحوا بما يجب عليكم من الأخذ سمعا وطاعة. أو من طلب الكلأ من موضعه .
وفي بعض النسخ «فأبخِعوا» بالباء الموحّدة فالخاء المعجمة (مرآة العقول: ج ۲ ص ۱۱۰). فأبخِعوا: أي فبالغوا في أداء ما يجب عليكم (الوافي: ج ۱ ص ۴۴۱) .