323
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5

الوَريدِ ، وأَبعَدُ فِي الشَّبَهِ مِن كُلِّ بَعيدٍ . لا يَخفى عَلَيهِ مِن عِبادِهِ شُخوصُ لَحظَةٍ ، ولا كُرورُ لَفظَةٍ ، ولا ازدِلافُ رَقوَةٍ ، ولَا انبِساطُ خُطوَةٍ ، في غَسَقِ لَيلٍ داجٍ ، ولا إدلاجٌ . لا يَتَغَشّى عَلَيهِ القَمَرُ المُنيرُ ، ولَا انبِساطُ الشَّمسِ ذاتِ النُّورِ بِضَوئِهِما فِي الكُرورِ ، ولا إقبالُ لَيلٍ مُقبِلٍ ، ولا إدبارُ نَهارٍ مُدبِرٍ ، إلّا وَهُوَ مُحيطٌ بِما يُريدُ مِن تَكوينِهِ .
فَهُوَ العالِمُ بِكُلِّ مَكانٍ ، وكُلِّ حينٍ وأَوانٍ ، وكُلِّ نِهايَةٍ ومُدَّةٍ ، وَالأَمَدُ إلَى الخَلقِ مَضروبٌ ، وَالحَدُّ إلى غَيرهِ مَنسوبٌ ، لَم يَخلُقِ الأَشياءَ مِن أُصولٍ أَوَّلِيَّةٍ ، ولا بِأَوائِلَ كانَتَ قَبلَهُ بَدِيَّةً ، بَل خَلَقَ ما خَلَقَ فَأَقامَ خَلقَهُ ، وصَوَّرَ ما صَوَّرَ فَأَحسَنَ صورَتَهُ .
تَوَحَّدَ في عُلُوِّهِ فَلَيسَ لِشَيءٍ مِنهُ امتِناعٌ ، ولا لَهُ بِطاعَةِ شَيءٍ مِن خَلقِهِ انتِفاعٌ . إجابَتُهُ لِلدّاعينَ سَريعَةٌ ، وَالمَلائِكَةُ فِي السَّماواتِ وَالأَرَضينَ لَهُ مُطيعَةٌ . عِلمُهُ بِالأَمواتِ البائِدينَ ، كَعِلمِهِ بِالأَحياءِ المُتَقَلِّبينَ ، وعِلمُهُ بِما فِي السَّماواتِ العُلى كَعِلمِهِ بِما فِي الأَرضِ ۱ السُّفلى ، وعِلمُهُ بِكُلِّ شَيءٍ . لا تُحَيِّرُهُ الأَصواتُ ، ولا تَشغَلُهُ اللُّغاتُ ، سَميعٌ لِلأَصواتِ المُختَلِفَةِ ، بِلا جَوارِحَ لَهُ مُؤتَلِفَةٌ . مُدَبِّرٌ بَصيرٌ ، عالِمٌ بِالأُمورِ ، حَيٌّ قَيّومٌ ، سُبحانَهُ .
كَلَّمَ موسى تَكليما بِلا جَوارِحَ ولا أَدَواتٍ ، ولا شَفَةٍ ولا لَهَواتٍ ، سُبحانَهُ وتَعالى عَن تَكييفِ الصِّفاتِ . مَن زَعَمَ أنَّ إلهَنا مَحدودٌ فَقَد جَهِلَ الخالِقَ المَعبودَ ، ومَن ذَكَرَ أنَّ الأماكِنَ بِهِ تُحيطُ لَزِمَتهُ الحَيرَةُ وَالتَّخليطُ ، بَل هُوَ المُحيطُ بِكُلِّ مَكانٍ .
فَإِن كُنتَ صادِقا أيُّهَا المُتَكَلِّفُ لِوَصفِ الرَّحمنِ ، بِخِلافِ التَّنزيلِ وَالبُرهانِ ، فَصِف لي جِبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ ، هَيهاتَ! أتَعجَزُ عَن صِفَةِ مَخلوقٍ مِثلِكَ ، وتَصِفُ

1.في كنز العمّال : «الأرضين» بدل «الأرض» .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5
322

المُؤازَرَةِ ، وأَعينوا عَلى أَنفُسِكُم بِلُزومِ الطَّريقَةِ المُستَقيمَةِ وهِجرِ الأُمورُ المَكروهَةِ ، وتَعاطَوُا الحَقَّ بَينَكُم وتَعاوَنوا بِهِ دوني ، وخُذوا عَلى يَدِ الظّالِمِ السَّفيهِ ، ومُروا بِالمَعروفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ ، وَاعرِفوا لِذَوِي الفَضلِ فَضلَهُم .
عَصَمَنَا اللّهُ وإِيّاكُم بِالهُدى وثَبَّتَنا وإِيّاكُم عَلَى التَّقوى وأَستَغفِرُ اللّهَ لي ولَكُم . ۱

۵۵۰۷.حلية الأولياء عن النعمان بن سعد :كُنتُ بالكوفَةِ في دارِ الإمارَةِ ؛ دارِ عَلِيِّ بنِ أَبي طالِبٍ عليه السلام ، إذ دَخَلَ عَلَينا نَوفُ بنُ عَبدِ اللّهِ فَقالَ :
يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، بِالبابِ أَربَعونَ رَجُلاً مِنَ اليَهودِ .
فقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : عَلَيَّ بِهِم .
فَلَمّا وَقَفوا بَينَ يَدَيهِ قالوا لَهُ : يا عَلِيُ ، صِف لَنا رَبَّكَ هذا الَّذي فِي السَّماءِ كَيفَ هُوَ؟ وكَيفَ كانَ؟ ومَتى كانَ؟ وعَلى أيِّ شَيءٍ هُوَ؟
فَاستَوى عَليٌّ عليه السلام جالِسَا ، وقالَ : مَعشَرَ اليَهودِ ، اسمَعوا مِنّي ولا تُبالوا ألّا تَسأَلوا أَحَدا غَيري : إنَّ رَبّي عز و جل هُوَ الأَوَّلُ لَم يُبدَ مِمّا ، ولا مُمازِجٌ مَعَ ما ، ولا حالٌّ وَهما ، ولا شَبَحٌ يُتَقَصّى ، ولا مَحجوبٌ فَيُوحى ، ولا كانَ بَعدَ أن لَم يَكُن فَيُقالَ حادِثٌ ، بَل جَلَّ أن يُكَيِّفَ المُكَيِّفُ للأَشياءِ كَيفَ كانَ ، بَل لَم يَزَل ولا يَزولُ لِاختِلافِ الأَزمانِ ، ولا لِتَقَلُّبِ شَأنٍ بَعدَ شَأنٍ .
وكَيفَ يوصَفُ بِالأَشباحِ ، وكَيفَ يُنعَتُ بِالأَلسُنِ الفِصاحِ مَن لَم يَكُن فِي الأَشياءِ فَيُقالَ : بائِنٌ ، ولَم يَبِن عَنها فَيُقالَ : كائِنٌ ۲ بَل هُوَ بِلا كَيفيَّةٍ ، وهُوَ أَقرَبُ مِن حَبلِ

1.الكافي: ج ۱ ص ۱۴۲ ح ۷ ، التوحيد: ص ۳۱ ح ۱ .

2.في كنز العمّال : «من لم يكن في الأشياء فيقال كائن ، ولم يبِن عنها فيقال بائن» والظاهر أنّه الصواب .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 111370
الصفحه من 382
طباعه  ارسل الي